حتى يبقى لهم مطرح في لبـنان

الأسبوع الماضي أطلت شابة تشارك في برنامج «الزعيم» الذي يقدمه تلفزيون «الجديد»، في اختبار هو الأول من نوعه في العالم العربي، لمدى قدرة المجتمع اللبناني على إنتاج قادة شباب يتمتعون بالكفاية والوعي من أجل التغيير وقد طلب منها، في إطار البرنامج ان تعلّق على أبرز الأحداث السياسية والأمنية في ذلك النهار، فقالت إنها بعدما شهدت ما جرى في صيدا ومجدل عنجر، وطرابلس، من مظاهر مسلحة مخيفة تحض على الفتنة وتضعف الولاء الوطني، في ظل غياب الدولة على أساس أن «الحاكم لا يحكم»، وأن الجيش ممنوع عليه القيام بواجبه في حفظ الأمن والدفاع عن هيبته وكرامته ـ تطرح السؤال الآتي: هل بعد ما جرى في ذلك النهار، هل بقي لنا مكان في لبنان؟
ومع ان لسان الشابة واسمها قد أفصحا عن هويتها المسيحية، إلا أنها بدت وكأنها تنطق باسم جميع شباب لبنان وشاباته، من كل الطوائف والمذاهب والفئات، بوجوب رفض هذه الحالات الشاذة التي يتعاظم خطرها يوماً بعد يوم، ليس على الأجيال الشابة في لبنان فحسب، بل على لبنان في ذاته، في كيانه، ووجوده واستمراره بيئة صالحة للعيش بكرامة، والتطلع إلى مستقبل يوفّر الاطمئنان للجميع، ويتجاوز فيه أهله التناقضات الطائفية، والعزل والتهميش، وصولاً إلى الاندماج التدريجي والانصهار في مجتمع موحد، يشكل التنوع الثقافي غنى له.
وفي ضوء هذا الشعور لدى الشباب، الذي لا ينحصر فيهم وحدهم، بل يشاركهم فيه جمهور يتزايد يومياً، ربما تُفهم أكثر معركة قانون الانتخاب، وتمسّك مجموعات لبنانية كبيرة بمشروع توافقي يحقق الأمان والاستقرار، ويحول دون هجرة الشباب واستنزاف الوطن.
وإذا كان ظاهر المشروع الأرثوذكسي بعث الطمأنينة في نفس الشابة وأمثالها، إلا أن جوهره يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. إذ يظهر في خلفيته لهيب «الثورة السورية» والمشاركون فيها من «نصرة» و«قاعدة» ومتشددين تكفيريين سبق للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي ان حذّر من خطرها على المسيحيين في سوريا ثم في لبنان.
إن صعوبات كثيرة تعترض المشروع الانتخابي التوافقي بعد تعطّل الحوار في بعبدا منذ أواخر تشرين الثاني بفعل النار السورية التي امتدت إلى لبنان، فوقع ضحيتها اللواء وسام الحسن، فانقطع بسببه حبل التواصل بين أفرقاء الحوار، وبادر فريق المعارضة إلى ضبط ساعته على ساعة الثوار السوريين، مجمداً كل شيء في انتظار جلاء الموقف على الساحة الشامية.
ولا تغيب عن أذهان اللبنانيين ثابتتان، ترافقان لبنان منذ صوغ أول ميثاق بين الموارنة والدروز في الجبل عام 1843، هما التضامن الفئوي، أي الطائفي والمذهبي الذي يصل أحياناً إلى حد التطرف، والتدخل الخارجي المزعزع للاستقرار في معظم الأحيان، لأنه يُفقد البلاد سيادتها واستقلالها، وأحياناً وحدتها، كما يحول سياسييها خداماً وتابعين.
وكان الخارج يتدخل على الدوام لترتيب العهود والمواثيق وشروط التسويات، من أعوام 1843، إلى 1861 إلى 1920 و1936 و1943 و1952 و1958 و1975 و1989 و2008 (اتفاق الدوحة).
وقد رسّخت هذه المواثيق الأسس الطائفية للنظام، فتعززت عبرها الولاءات الطائفية.
والآن، ما الحل؟
هل ننتظر انتهاء الثورة السورية؟
وماذا إذا استمر حكم الأسد؟
قد يكون الحل الأقرب هو تجديد ميثاق الطائف في اتجاه المشاركة الحقيقية التي يصفها أحد المفكرين بأنها أكثر من مجاورة: «استدراج للغير إلى قدر واف من المخالطة، وصيغة حياة تامة، ومخالطة في الإقامة، وعشرة في المدرسة والجامعة، والمنتدى والمقهى، والعمل والإنتاج والأسواق الواحدة»، والابتعاد عن اتحاد السياسي بالديني والمذهبي.
يجب ان يغتنم اللبنانيون فرصة انشغال دمشق والدول الأجنبية لإنتاج شرعة جديدة للتوحّد والعيش المشترك، وخلق مساحة وطنية متماسكة من خلال الحوار الوطني، انطلاقاً من «إعلان بعبدا» الذي يشكل شرعية مثالية.

السابق
تهنئة لرئيس الوزراء المصري
التالي
أماكن موضوعية