الموقوفون الإسلاميون مظلومون: عن جد؟

آخر ما كان ينقص سجناء لبنان أن تطيّف معاناتهم وتُمذهَب. فعلها رجال دين. من بوابة رومية قرّروا تحويل ظلم موقوفين إلى «مظلومية طائفة». غاب عنهم أن ذاك السجن هو أكثر الأماكن التي تشهد على وحدة المعاناة «العابرة للطوائف» بين اللبنانيين

الشيخ أحمد الأسير لا يعرف «الصنديد». هذا لقب من قضى في سجن رومية 26 عاماً. من نسيته السلطات اللبنانية في العتمة كل تلك السنوات. ذاك الذي، لولا صدفة ومحامية، لظل خلف القضبان إلى الأبد. كان يحتاج إلى معاملة قضائية بسيطة، فقط، ليغادر السجن قبل أكثر من 12 عاماً. عصام سعيد، أو «الصنديد»، ليس سلفياً. ليس إسلامياً. لا يمت إلى تلك البيئة بصلة. هو من عالم التشطيب والتقطيب والأوشام المخيفة. عندما دخل السجن كان الأسير لا يزال فتى يافعاً. هو ليس من تلك الفئة التي يرفع الأسير لواء الدفاع عنها، وليس من مريدي الشيخ سالم الرافعي الذي وقف إلى جانب الأسير في وسط بيروت، أخيراً، متحدثاً عن الظلم الذي سببه اعتقاد البعض بأن «كلّ سني وسلفي هو إرهابي». فماذا يقال عن «الصنديد؟». مظلوم من غير أهل السلف الصالح؟ شخص بلا محاكمة، غير متديّن أصلاً؟
كان لا بد من قضية تلمّ شمل الحالة السلفية لبنانياً. هؤلاء الذين يختلفون في ما بينهم إلى حد الكره أحياناً. وكثيرون يعرفون رأي أحدهم بالآخر. لكنهم رغم ذلك وجدوا في ما يُعرَف بقضية «السجناء الإسلاميين» في رومية هدية جاءتهم على طبق من ذهب. لم يبق مصطلح درامي إلا أسقِط على قضية هؤلاء السجناء. هم مظلومون، بلا ريب، في مسألة تأخير المحاكمات. وبالتأكيد، هذا لا يعني أنهم أبرياء من تهمهم، لكن بحسب المنطق والقانون، فإنه لا يجوز إطالة أمد المحاكمات لأي سجين. بعض أهل القانون يرددون هذه العبارة: «التأخير في إحقاق العدالة بمثابة اللاعدالة». هذا صحيح. ولكن ألا يعلم من حوّلوا قضية الإسلاميين إلى مسألة طائفية أن آفة القضاء المهترئ تصيب جميع السجناء في لبنان؟ كل السجناء، من مختلف الطوائف والمذاهب والمناطق. فلماذا إذاً حصرها بالسجناء الإسلاميين، أو بسجناء «فتح الإسلام»، أو بأولئك الذين يُسمَّون «أصحاب الخصوصية الأمنية»؟
هل سمع الأسير والرفاعي والشهال وغيرهم يوماً بنزيل «البيت الأزرق» في رومية؟ ذاك الذي نُسي في المبنى الاحترازي للسجن المذكور، لمدة 42 عاماً من دون بت قضيته؟ 42 عاماً. ما من خطأ مطبعي هنا. عائلة السجين ب. م. نسيته هناك أيضاً، وهو مريض، فما كان له صوت في الخارج. هذه ليست أسرار، بل هي أمور تناولها الإعلام، بصور مختلفة، مراراً وتكراراً. هل كانت وسائل الإعلام محرّمة على من اكتشفوا أن في سجون لبنان «مظاليم»؟
هل سمع أصحاب الفضيلة بالسجين محمد س. (23 عاماً)؟ ذاك الشاب الذي قضى سنة ونصف سنة في الزنزانة، من دون محاكمة، قبل أن يأتي دوره، «بعد ألف واسطة»، ليتبيّن أنه بريء. 18 شهراً تبخرت من عمر شاب بسبب القضاء المترهل. محمد هذا ليس إسلامياً، للأسف! ربما على أحد ما أن ينقل للمشايخ الغاضبين، وكل من يريد مذهبة ملف السجناء، حكايات مارتا لازا الإثيوبية وليبي ماكسمي البنغالية، والكثير من الأجانب الذين قضوا سنوات طويلة في السجون اللبنانية، تحت عنوان التوقيف الاحتياطي، قبل أن تثبت براءتهم لاحقاً. هؤلاء أجانب، وكان يفترض أن يعاملهم لبنان معاملة خاصة، من أجل صورته بين الأمم. لم يخصصهم أحد في المعاملة. هم من الطبقة المسحوقة المعدمة الفقيرة، ولهذا يُنسَون، وهذا ربما الشيء الوحيد الذي يجمعهم بأكثرية السجناء الإسلاميين. على أحد ما أن يخبر ممذهبي قضية السجناء أن السجون لا تعرف لغة المذاهب في التخصيص، بل ربما لغة الطبقية، الدعم الخارجي، لغة المال الذي بواسطته يصبح سهلاً نيل العدالة لدى القضاء في لبنان.
أبعد من السجناء العاديين، ألم يسمع الرافعي والأسير وسواهما، بالمادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية؟ تلك المادة التي عجز كثيرون عن تعديلها، في مجلس النواب وخارجه، والتي بموجبها يتاح للقضاء توقيف الأشخاص بجرائم محددة إلى ما لا نهاية بغض النظر عن طائفة المسجونين؟
أكثر غرائب الأسير ورفاقه كانت في اتهام حزب الله بأنه يؤخر المحاكمات، عمداً، عن السجناء الإسلاميين السلفيين في رومية! كيف ذلك؟ ما الدليل؟ لا شيء. ربما الآن هو الوقت الأفضل لإخبار الرافضين الجدد للظلم بأن السجناء «غير الإسلاميين» في رومية، وتحديداً في مبنى المحكومين، هم من أكثر الشاتمين لمرجعياتهم الدينية والسياسية. وصلت لـ«الأخبار» منهم رسالة فيها الكثير من الألفاظ التي لا يمكن إيرادها هنا. هم يعتبرون اليوم أن السيد حسن نصر الله تخلى عنهم يوم لم يتحدث عن معاناتهم، بل تحدث، في خطابه قبل الأخير، وفي خطابات له منذ عام 2008، عن ضرورة الإسراع في محاكمة السجناء الإسلاميين (السلفيين). إبراهيم ب. يتمنى اليوم على نصر الله أن يعتبره «سلفياً، لعلّي بذلك أجد من يستمع إلى أوجاعي، فقد مضى على توقيفي 5 سنوات ونصف سنة من دون محاكمة، ولكن نحن هنا لا صوت لنا».
قبل 7 أشهر، أحضر الدرك أحد الأشخاص إلى سجن رومية، وأودعوه في زنزانة، من دون أي مذكرة توقيف بحقه! هذه جريمة موصوفة. هذا أقل ما يقال. هنا لا نتحدث عن توقيف احتياطي، ولا عن المادة 108 السالفة الذكر، بل عن توقيف بلا أي إشارة قضائية. هذه الحادثة موثقة ومعروفة لدى قوى الأمن الداخلي. انتهت قصة هذا المعتقل قبل أيام. مرّت وكأن شيئاً لم يحصل. هو ليس من «جماعة» أحد. لو كان لهذه القصة لسان لنطقت مخبرة مشايخ رفض الظلم بأن الظلم شامل هنا. لا تتسع الصفحات لذكر كل حالات الظلم الشامل في سجون لبنان، التي تحتاج لسرد بعيد، أبعد من الـ«فوبيا» المصطنعة.

السابق
الوطن: “حزب الله” يدرب مقاتليه على “حرب شوارع” لمواجهة الثوار
التالي
قاووق: حزب الله من موقع القوة والحرص لا يرد على الشتائم