هل يُعقل أن يبقوا القادة اليوميين للثورة

مؤخّرا تحدّث الأخضر الابرهيمي عن "فضائح المعارضة" لا فقط صراعاتها. فما الذي يحول حتى الآن دون تشكّلِ ظاهرةٍ قياديّةٍ سوريّةٍ في الثورة تمثّل بشكل حقيقي صلة الخارج بالداخل؟

بينما انطلق العمل الأميركي الروسي لعقد حوار بين النظام والمعارضة السوريَّيْن، يمكننا أن نسأل من اليوم من هي القوى والشخصيات القادرة على تمثيل فعّال للمعارضات على الأرض؟ فمن الملاحَظ بقوّة أنه بعد مرور عامين على اندلاع الثورة السورية لم تَفرِز هذه الثورةُ الشعبية قائدا سياسيا أو مشروع قائد على المستوى الوطني السوري سواء في الداخل أو في الخارج مع أنها أتاحت لمثقفين مناضلين سوريين في الداخل والمنفى أن يتحوّلوا بشكل تلقائي إلى قادة رأي مسموع ومقروء ولو لم يكن مؤثّراً في المسار الفعلي للأمور.
بين هؤلاء الكُثر الناشطين في خلايا الثورة لم يولد بعد قائدٌ سياسي أو قادة سياسيون من النوع – على سبيل التشبيه لا المحاكاة- الذي شهدتهُ سوريا بين الحربين العالميّتين الأولى والثانية عندما كانت الحياة السياسية الجديدة في ظل الانتداب الفرنسي وضده تفرز بأشكال مختلفة شخصيات – مرجعيات من عبد الرحمن الشهبندر إلى سلطان باشا الأطرش إلى ابرهيم هنانو وصولا إلى لاحقا شكري القوتلي وجميل مردم وسعدالله الجابري وفارس الخوري من قادة "الكتلة الوطنية" وغيرهم ومعهم في القلب من هذه العملية طبعا رياض الصلح (السوري اللبناني). نماذج مختلفة شعبية ونخبوية قادرة ومجازفة بعضُها دفع حياته ثمنا في الصراعات الداخلية والوطنية… ستكون "جاهزة" الاستعداد والمشروعية لإمساك تدريجي لسوريا الاستقلال اعتبارا من العام 1936. وليس بين كل هؤلاء ضابط واحد في الصف الأول. ولذلك اليوم بعد كل التجارب المُرّة لن "نرشّح" ضابطا واحدا للدور السياسي مع كل الاحترام للكفاءات المهنية والتضحيات التي قدّمها ضباط منشقون لم يتوفّر بعد سوى القليل من المعلومات عن سلوك بعضهم الجديد على الأرض.
لا نجد معالم السياق نفسه لما بين الحربين في إعادة التأسيس السورية الجارية حاليا بأكلاف مخيفة من الدم والدمار. وعلى مستوى الإسلاميين وخصوصا "الإخوان المسلمين" وبسبب إصرارهم، من جهة، على العمل السرّي الذي أصبح طَبْعاً فيهم لا تطبّعاً، وإصرارهم على السيطرة على المؤسّسات المشترَكة من جهة ثانية، لم تَظهر بينهم في الأفق شخصية قادرةٌ على الخروج من إطارها الفئوي إلى رحاب القيادة الوطنية فعلا سواء لملايين المدنيين السُنّة أو للأقليات.
لهذا وفيما النظام أصبح فاقد الشرعية منذ الأسابيع الأولى للثورة بسبب عمق واتساع الرفض الشعبي، بدا ويبدو قادةُ هذه الثورة اليوميّون هم رجب طيب أردوغان ولوران فابيوس وهيلاري كلينتون (والآن جون كيري) مضافا إليهم إسمٌ أو إسمان خليجيّان.
فقط لو استعرضنا وضع بعض الشخصيات السورية البارزة حاليا في إعلام الثورة وتساءلنا عن أسباب استمرار الضعف الشديد في علاقة رموز الخارج بالتركيبة على الأرض فإن الخلاصات لن تكون صعبة بل واضحة. البحث الأصعب هو ما الذي يحول حتى الآن دون تشكّل ظاهرة قيادية سورية فعلية تمثّل بشكل حقيقي صلة الخارج بالداخل؟
مؤخّرا تحدّث الأخضر الابرهيمي عن "فضائح المعارضة" لا فقط صراعاتها. ربما أبلغ تعبير عن هذا الوضع غير الناضج هو ما سمعتُهُ قبل فترة في جنيف من مهاجرٍ سوريٍّ مُزمنٍ وهو التالي:
لا وجود حتى اللحظة لطبقة سياسية سورية جديدة. وسوريا تدفع ثمن هذا الفراغ.
هي نفسها سوريا الكفاءاتُ الرفيعة في كل المجالات والتاريخ المعاصر الذي شهد أوزاناً سياسيّة مهمّة ورصينة والمثقفون والفنانون الكبار. إحدى أقوى النخب العربية.
فهل تكون ظاهرةُ غيابِ قيادةٍ سياسيّةٍ جدّيةٍ وحقيقيّةٍ للثورة السورية بعد مرور عامين هي حصيلةٌ مباشرةٌ أو غيرُ مباشرةٍ لطغيانِ مُعطى تدميرِ سوريا على مُعطى تغييرِ النظام الذي هو مساهِمٌ أساسيٌّ في هذا التدمير منذ بدأت "عسكرة الثورة"… بل قبْل ذلك؟

السابق
خضر حبيب: أبواب الحوار مع حزب الله مقفلة
التالي
Google تطلق لعبة جماعية