الرقص ضد الإخوان السلفيين

سما المصري امرأة وفنانة. أي أنها، لو كانت قبطية، لحملت النقائص الذهبية الثلاث التي يكرهها الإسلاميون، من إخوان وسلفيين.
أذاعت سما المصري حتى الآن ثلاثة شرائط يوتيوب، ترقص فيها وتغني كلمات تسخر فيها من الإخوان ودستورهم ومشروعهم "النهضوي" المزعوم، وتهزأ من حازم أبو اسماعيل، الزعيم السلفي وجماعته. شريطها الأول صدر منذ ثلاثة شهور، والثاني والثالث من بعده. والشرائط الثلاثة من سلالة الفن الشعبي المباشر: الموسيقى، سهلة التطريب والنغمات، الكلمات بالعامية الشعبية وكذلك الوصلات، ثيابها، فستانها "بلدي" بألوانه الفاقعة، والقمطة تحت الخصر، ووجهها المتبرّج بكثافة وصراحة، وديكور فقير، مستعينا بالخيال والخُضار، حركة جسدها وتعابير وجهها، بلغة "الدلع الشعبي"، بالغمز واللمز… ما يتوّج كل ذلك هو لازمة الأغنية الأولى لها، الساخرة من المشاريع "النهضوية" التي روّج لها الإخوان المسلمون في حملاتهم الانتخابية، حيث تقول: "لا ها خاف أنا ولا هأدخل جوّه"، فتصيب النقطة المحورية من رؤية الإسلاميين للمرأة. إذ يقول لسان حالها: "تريدني أن أعود إلى "جوّه"، أي البيت….!؟ لا لن أدخل…! ولن أخاف من إرهابك….!". وهذه اللازمة من الشريط الأول انتشرت بين المصريين، خصوصاً النساء.
لذلك، عند صدور هذا الشريط، توقّع لها بعض المعلّقين مصيراً فنياً مشابهاً لذاك الذي عرفه مغنّ شعبي آخر، هو شعبان عبد الرحيم. ذاع صيت هذا الفنان، وصعد منذ أغنيته التي تقول لازمتها: "أنا بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل"، وكان وقتذاك، عام 2000، المناخ الشعبي المصري على أشدّه ضد إسرائيل مع اندلاع انتفاضة الأقصى. رواج أغنية شعبان عبد الرحيم كان بمثابة استفتاء على حجم شعبية موسى، صاحب النبرة الحادة ضد إسرائيل، وعلى رفض الشعب المصري لسياسة حكومته. والأهم، أنها كانت وراء إقالة موسى من منصبه، وقد سميت يومها "استقالة".
المهم أن سما المصري امرأة ترقص وتغنّي ضد الإخوان والسلفيين، بتبصّر للعلاقة القائمة بين نزوعهم السلطوي الحاد وبين مرماهم الأخير، وهو إعادة النساء إلى الداخل وحرمانهم من الفضاءات الجديدة التي تمتّعن بها طوال عقود. هي تصرّ على هذه النقطة بسلاح المخالفة الاستفزازية لكل ما يثير نفور الإسلاميين وحساسيتهم. ليس بالكلمات فحسب. أو الموسيقى، أو الرقص… إنما أيضاً بروحيّة شرائطها نفسها. غير الخائفة، غير الخانعة، غير المقتنعة ("باسم الدين"). تتصدّى بنفسها لمحاولات التطويع الإخوانية – السلفية، تبدي شجاعة "بنت البلد"، التي تخيف الخصم بقدرتها على الحطّ من معنوياته، إذ تقول: "هتقولي اتلمي يا بتّ يا غازيّة هقولك حمرا يا زعيم البلطجية". كل بقية كلمات أغنياتها هي نقد ونعوت وتبخيس، تتلخص بالكلمات الثلاث الأخيرة: "كذابين وتجار دين وإرهابيين".. ملامح قتالية عالية تنضح من رقصتها، واستعداد لمعارك تحدس أنها قادمة. في شريطها الثاني، حيث تسخر من الزعيم السلفي حازم أبو اسماعيل، تكرّر لازمة "يا حلاوتك ياد (يا ولد) يابن (إبن) الاميركانية". تلاحقه في أكاذيبه، تبهدل محاصرة أنصاره للمدينة الإعلامية، وشيّهم للحم، وتخمتهم وإنكبابهم على أنفسهم، بعد ان كان عنوان الشريط "حازفووووووون ".
قد يجد الكثيرون بأن كلّ "فن" سما المصري "هابط" ومبتذل. لكن هذا وجه من التذوق الفني لا تجده لدى الفئات الشعبية، أي لدى تلك الفئة من الشعب المصري، رهينة إدعاءات الإسلاميين الإلهية، والتي تتشكّل منها كتلتهم التصويتية الأكبر. وهي الكتلة نفسها التي تؤرّق الجمعيات النسائية المتصدّية للإسلاميين؛ من نوع كيف يمكن لهذه الجمعيات أن تنتزع هذه الكتلة من أظافرهم المسنّنة؟ وهي كتلة يسود الفقر والجهل في متونها؟
قد تكون سما المصري جواباً أوّليا على هذا السؤال…

السابق
فرنسوا هولاند يأمل في “قرار سياسي” سريع لإنهاء النزاع في سورية
التالي
حرب: لا نريد ان نحول المطالبة بتغيير قانون الانتخاب إلى ابتزاز سياسي