لإعادة اكتشاف حال العرب والعالم

ما ينقص العرب ليس الأفكار بل القدرة على تغيير الأقدار. وما ينقص الأفكار ليس جرأة التفكير خارج الصندوق بل المناخ الذي يساعد الرؤى على أن تصبح سياسات. هذا هو الانطباع الذي تركه المؤتمر الأول لمجلس العلاقات العربية والدولية على مدى يومين في الكويت. فالمشاركون في المؤتمر حاولوا إعادة اكتشاف العالم العربي والعالم بكل ما فيهما من مخاطر وفي العلاقات بينهما من فرص. وهم نظروا الى وجوهنا في المرآة كما الى وجوه الآخرين وتطلعوا الى صورتنا بعيون الآخرين عبر محاور واسعة: الوطن العربي والغرب. الوطن العربي والشرق، الوطن العربي ودول الجوار.
كان التوقف أمام الصورة محطة اجبارية للذهاب الى الحد الأقصى في التصور. ففي الصورة تسليم بأن مكانة العرب أقل بكثير من الامكانات المتوافرة لهم. وفي التصور طموح للارتقاء بالعلاقات العربية – العربية الى المستوى الاستراتيجي واعادة بناء العلاقات مع العالم من المصالح القومية في المجالات السياسية والثقافية والمعرفية والاقتصادية. واذا كان التركيز على العلاقات مع الغرب دام عقوداً طويلة، فإن العلاقات مع الشرق تفرض نفسها اليوم بعدما صارت آسيا قارة القرن الحادي والعشرين. والأساس هو بناء البيت العربي كشرط لأية علاقات خارجية ناجحة.
لكن الرؤية الواسعة لم تحجب النظرات من زوايا حادة الى القضايا الساخنة. فلا النظرة الى ثورات الربيع العربي بقيت رومنطيقية بمقدار ما صارت واقعية في رؤية الى الأخطار التي تشكلها سيطرة التيارات الدينية على السلطة. ولا تحليل المواقف الأميركية والأوروبية والروسية خلا من الأفكار التقليدية الى جانب الأفكار الجديدة.
واذا كان الأمير تركي الفيصل طالب الرئيس أوباما بصنع التسوية في الصراع العربي – الاسرائيلي، فإن عمرو موسى وصف عملية السلام بأنها نصب سياسي ودعا الى قرار في مجلس الأمن مبني على الفصل السابع، إما لتحديد خارطة الدولة الفلسطينية، وإما لإقامة دولة فلسطينية – اسرائيلية واحدة تضمن المواطنة للجميع.

وما فاجأ المشاركين الذين تحدثوا عن مخاطر التدخل الايراني في الشؤون العربية هو اقتراح رئيس الوزراء القطري انشاء منظمة للدول المطلّة على الخليج. والقاسم المشترك في الكلمات كان الحديث عن حرب سوريا، بحيث تمسك ارميتاج بالموقف الأميركي الخائف من التطرف، وذهب ايفانوف الى حد القول إن الرئيس بشار الأسد لا يستطيع التخلي عن السلطة لأنها ليست في يده بل في يد المخابرات، وطالب الأمير تركي الفيصل أميركا بتسليح المعارضة.
لكن كلام المؤتمرات شيء وسياسات الدول شيء آخر.

السابق
النأي بصهاريج الموت
التالي
لماذا 14 آذار، لا 14 شباط؟