الرهان على الجيش والارتهان للسلاح

جريمة عرسال ليست صاعقة في سماء صافية. فهي قرعت جرس انذار سبقته أجراس دقت في مناطق عدة. وما كنا ولا نزال نسمعه ونستنكره بقي خارج الإصغاء لدلالاته وبأقل قدر من القراءة في الاشارات والاستعداد لمواجهة حاسمة للتحديات. وأخطر ما في التجرؤ على الجيش هو hن يصبح تكراره نوعاً من حوادث اليوميات، وهو من الأحداث غير العادية. وليس أفظع من جريمة أودت بحياة النقيب بيار بشعلاني والمؤهل ابراهيم زهرمان وجرحت عدداً من العسكريين سوى الجريمة السياسية المتمادية التي تكاد تودي بحياة لبنان كوطن يستحق دولة ديمقراطية لمواطنين وجيش وطني يحمي الوطن والمواطنين.
ذلك ان الاستنكار الجماعي للجريمة في حق الجيش، يقابله التعايش مع الجرائم السياسية في حق البلد. لا بل الحماسة لتلك الجرائم المغطاة بالعصبيات الطائفية والمذهبية والموصولة بالمحاور الإقليمية والدولية. واعتبارها الممارسة الطبيعية للسياسة. حتى في الاستنكار الجماعي للجريمة، فإن اللغة السياسية لم تكن واحدة بمقدار ما تأثرت المواقف بالمواقع على خارطة الانقسام الحاد. فلا الغطاء السياسي للجيش كامل بالمعنى الاستراتيجي. ولا ما نقدمه للجيش هو على مستوى المطلوب منه. ومن المهم أن يقبض الجيش على المشاركين في جريمة عرسال ويقدمهم الى العدالة. لكن الأهم هو تنظيف لبنان من كل أدوات الجرائم الأمنية، والتوقف عن الجرائم السياسية في حق لبنان.

ومن حق اللبنانيين ان يراهنوا على الجيش كمؤسسة وطنية. فهو السلاح الأخير في أيديهم للحفاظ على رأس لبنان وقت تغيير الدول، في مواجهة أسلحة عدة تطلب رأسه. لكن من واجبهم تأمين المناخ السياسي والأمني لدور الجيش. فلا في المفهوم الأمني المجرد، يمكن ان يكمل الجيش المهام المطلوبة منه حين يكون البلد مجموعة مربعات أمنية مسلحة ومحمية بالعصبيات والمصالح السياسية. ولا في المفهوم الوطني والسياسي، يسهل على الجيش ان يمارس كل الدور الانقاذي المرجو منه وسط التناقض بين طابعه الوطني وبين الطابع الطائفي والمذهبي المتشنّج في البلد.
أليس البلد مريضا في مناخ موبوء في الداخل وفي المنطقة؟ أليس النأي بالنفس عنوانا من فوق، وإقحام النفس في صراعات المنطقة واقعا من تحت؟ ما هي حدود القدرة على ضمان الأمن وسط السلاح غير الشرعي والسياسات اللامشروعة؟ وما معنى الاستقرار من دون أمن، والأمن من دون عدالة، والعدالة من دون دولة قوية، والدولة من دون توافق حتى على قانون انتخاب؟
الكل يقول ان الجيش عمود الوطن. لكن الأرض تحت العمود متحرّكة ومملوءة بالألغام.

السابق
خطيب سوريا داهية أم مغامر؟
التالي
من يريد تكرار سيناريو البارد