بري سيخرج الأرنب من القبعة


باتت اللعبة في يَديْ الرئيس نبيه بري. لكن رئيس حركة «أمل» الذي وفى بوعده، أي بدعم المسيحيين في القانون الذي يُجمعون عليه، هو غير رئيس المجلس النيابي الذي لا يستطيع تجاهل «المستقبل» و»الإشتراكي» الممثلِيْن غالبية السنّة والدروز.

…وهكذا، عادت اللعبة إلى الصفر. وزالت الإلتباسات: لا القوى الشيعية ستقبل بالدوائر الـ50، ولا القوى السنية والدرزية ستقبل قانون "اللقاء الأورثوذكسي"… "فإذا الله قد عفا".

وعلى رغم المأزق الذي وصل إليه تيار "المستقبل" مع شريكيه في 14 آذار، "القوات اللبنانية" والكتائب، حول "الأورثوذكسي"، فإن التيار لم يوضح صراحةً ما إذا كان الإعتراض المسيحي على الإجحاف في التمثيل له مبرراته أم لا، ولم يقُل حتى الآن ما إذا كان مبدأ المناصفة الذي نصَّ عليه الطائف يُطبَّق في شكل سليم أم لا، ولم يكشف حتى اللحظة عن القانون الذي يراه مناسباً لإنتخابات 2013، خصوصاً بعدما تبيّن أن ما رشح عن بعض أركانه، لجهة دعمه مشروع الدوائر الخمسين، ليس مؤكداً ويحتاج إلى نقاش، وأنه ربما وسيلة لإقفال الباب على "الأورثوذكسي"، وتجنُّب الدخول في أزمة مع الحلفاء المسيحيين في وقت غير مناسب.

وحده النائب وليد جنبلاط لا يناور: قانون 1960 ولا سواه. وإذا ما تعطّل إقرار "الأورثوذكسي" والـ"50 دائرة"، فإن المشاريع الأخرى التي هي قيد التدول، والمبنية على النسبية، ستلقى المصير الإعتراضي عينه من جانب "المستقبل" والإشتراكي، وقد ينضم إليهما مسيحيون من 14 آذار. وسيجد الرئيس بري نفسه أمام المبررات عينها التي أسقطت "الأورثوذكسي" والـ"50 دائرة"، أي عدم حصولها على التوافق بين المكونات الوطنية الأساسية.

وهكذا، لن يبقى في التداول إلا قانون 1960. وعلى رغم أن القوى المسيحية المختلفة من سياسية وروحية تعترض عليه في قوة، فالعادة جرت منذ الطائف أن يستسهل الجميع إنجاز الحلول على حساب المسيحيين بإعتبارهم الحلقة الأضعف. فلا هم يحملون السلاح ولا معهم السلطة ولا يدعمهم محور إقليمي.

«من حواضر البيت»

ووفق ما يتوقع البعض، فإن حملة التخوين بـ"الأورثوذكسي" ستعقبها حملة تخوين مقابلة بـ"الدوائر الـ50"، وسيعمل الوسطاء و"سعاة الخير" الوسطيون على ترميم التصدعات تحت عنوان تجنيب لبنان ما قد يصيبه من مخاطر تأتيه من النار المندلعة في المنطقة. وسيعمل هؤلاء على "تبليع" المسيحيين طبخة "من حواضر البيت"، يكون قانون 1960 ركيزتها.

وعلى الأرجح، ستجري محاولة لإرضاء البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وسائر القادة المسيحيين بـ "تجميل" لقانون الـ60، بحيث يجري نقل بعض المقاعد المسيحية من دوائر إلى أخرى، ما يؤدي إلى تحسين في حجم التمثيل المسيحي في المجلس المقبل، لكنه لا يتجاوز الخمسة نواب. وهذا ما يؤدي عملياً إلى تمثيل مسيحي "حقيقي"، من القواعد المسيحية الشعبية، بما يقارب الأربعين نائباً. وسيجد رئيس المجلس نفسه أمام مهمة التوافق السحرية، فيُخرج الأرنب من القبعة!

وهذا الحجم من التمثيل المسيحي يبقى دون الطموح الذي تُعبِّر عنه القوى المسيحية على إختلافها، أي المناصفة. وستكتشف هذه القوى أن المناصفة، كما تفهمها هي، ليست مقبولة من جانب أي من الشركاء. فما من أحد مستعدّ للتخلي عن مكتسبات إستطاع تحصيلها تحت عوامل الوقت وظروف الإقصاء التي عاشها القادة المسيحيون في المرحلة السورية. فقد كان المسيحيون يتلهَّون بمحاربة سوريا في تلك المرحلة، فيما الآخرون يسترضونها لتحصيل المكاسب على حسابهم.

ويزيد في صعوبة تقديم التنازلات أن القوى السنية والشيعية تتصارع في لبنان على المواقع، في موازاة الصراع المذهبي الإقليمي. وليس أي من هذه القوى مستعداً للتخلي عن حجر في لعبة الشطرنج لئلا يسارع الخصم إلى تعبئة الفراغ.

وسيجد المسيحيون، داعمو "الأورثوذكسي" ورافضوه، أنهم سيواجهون في النهاية منطقاً واحداً، وهو المنطق الرافض إعادة عقارب الساعة الى الوراء. والتلويح بالديموغرافيا الذي عمد إليه نوابٌ سُنّة قبل أيام لم يستنكره الآخرون. وكان السكوت أشبه بالرضى.

فهل ستمضي القوى المسيحية في معركة لا هوادة فيها؟ وما هو المُنتظر منها؟

السابق
احتجاجات على نساء الشورى
التالي
عالستين يا بطيخ