نديم الجميّل: القوّابي الصغير

المشكلة في لبنان، لا تنحصر في قانون الانتخاب ولا في قانون الأحزاب ولا حتى في النظام الطائفي، المكرّس منذ ولادة الكيان، والمصاغ بعناية من قبل الأيدي الاستخرابية، الاستدمارية، الاستعبادية الخارجية. بل في التربية والأخلاق والقيم الوطنية. فالعناية الغربية صوّبت سهامها إلى عقل الانسان في بلادنا قبل ان تصوّب بنادقها إلى أجسادنا، وقبل ان تتوّجه أنظارها إلى مواردنا وثرواتنا. فتدمير إنساننا مقدمة ضرورية لاستغلالنا وتطويعنا وتدجيننا، وتركنا فريسة تخلفنا وانسياقنا الأعمى وراء مفاهيم الأسياد ورؤاهم وتصوّراتهم ومخططاتهم.
المشكلة في لبنان، اننا نصدّق المنصّبون علينا، أمراء وزعماء وقادة واقطاع. اننا نصّدق ان ثرواتهم جاءت بالجهد الفردي، او العقل الاقتصادي المميّز، او ان الله خصّهم بما لا يخصّ غيرهم من الرعايا.
المشكلة في لبنان، اننا نصدّق بأننا مثقّفون، ومعلّمون ونجيد قراءة كل اللغات الاجنبية والمحلّية حتى السنسكريتية منها، فنصبح أصحاب رأي وموضع مشورة ومحط دراية وسياسة. ويصير «كل فرنجي برنجي».
المشكلة في لبنان، اننا نقيس الأشخاص على قاعدة الحسب والنسب، على قاعدة العائلة والعشيرة والطائفة. فيتمدّد زخم الزعامة من الجدّ إلى الأب والابن والحفيد، وربما إلى ذرية لم تولد بعد، او لن تولد ابداً. ويبقى وهج الزعامة هو هو، حتى لو كان النسل مشكوكاً بقدراته العقلية، او أهليته المدنية والأخلاقية.
نديم الجميل، واحد من هؤلاء، دخل إلى المحفل، والمحتفلون به كثر، وارث أمه عن إرث أبيه. أباه الذي في الأرض مجبول بالحقد والخيانة، متعامل مع عدو الوطن والدين بل الديانات، قاتل على الهوية، غادر بأبناء جلدته، ساحق لكل المخالفين لرأيه، وفي حالة رومانسية راقية مارس «الحب والموت في بيروت» بين أيدي اليهودية «برباره نيومان». فنديم الصغير بهذا المعنى امتلك الثروة الأخلاقية لـ»القوات» قبل ان يصبح قواتيا. ونديم الصغير سليل العائلة الاقطاعية الجميلية التي أسست مزرعة الكتائب، ولم تزل تستثمرها، مراكز مقابل الدم، ومواقف بديلا للسياسة، وتبعية ثمن البقاء.
آل الجميل القادمون ظاهراُ من مصر، المهيمنون بقوة فرامانات عثملية وحماية حنونة من فرنسا فيما بعد. انطلقوا من الجميزة، قاعدة الفرنسيين البحرية سياسيا، ومن البرج اقتصاديا، بحيث أعطيّ بيار الجد وكالة «ديوركس» لصيدليته (راجع مذكرات مود فرج الله). استكملوا صعودهم السياسي باشتراكهم في تظاهرات الاستقلال وبالاتفاق مع المستعمر الفرنسي (انظر علاقاتهم مع فرنسا قبل وبعد الاستقلال)، وبإيحاء منها أسّس الحزب. هذا الحزب لم يشترك في الدفاع عن لبنان حتى في عام 1958 بل ظلّ يترقّب الفرص متواجداً في الجميزة والأشرفية، حتى قام بأداء دور الثورة المضادة بإشارة من الغرب ليشكّل أساساً طائفياً لمرحلة فؤاد شهاب عندما وضعت الثورة أوزارها على قاعدة اتفاق مصري – أميركي.
نديم الصغير حمل تاريخ الكتائب ولم يك موجودا. وحمل تبعة والده ولم يك أكبر من طفل يحبو. وصل إلى الندوة البرلمانية وكأنها عطية من إقطاعات جده. فشل في الدراسة رغم الاعتناء الزائد به، فشل في عمله بالخليج. ومع ذلك يصرّ هو ومن وراءه ان يعطينا دروساً في التاريخ والجغرافية والإدارة والسياسة والأخلاق.
نديم الصغير، هذا «العجّي» القوّابي (قواتي- كتائبي)، يحاول ان يتعمشّق كما فعل أسلافه من قبل على جبل عالٍ منيع، اسمه الحزب السوري القومي الاجتماعي .
ربما قد أخذ الفكرة من المهندسين الفرنسيين، عندما شقوا الطرقات في لبنان بتركهم البغال تسير في الأمكنة الأسهل. (للمناسبة البغل هو حيوان هجين من الفرس والحمار).
لكننا نطمئن الجميع، سيبقى الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب سعاده، عصياً على كل الكائنات الهجينة والصحيحة.
وليعلم نديم الصغير وسامي الصغير والأمين العنيد وسمير الديماغوجي وكلّ من يسير على طريقهم، ومن لف لفهم، ان الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس تراكماً عددياً يُقاس بصناديق الاقتراع فقط. بل ان كلّ مؤمن بفكر سعاده مشروع رجل يغيّر وجه التاريخ. ومن لم يتعلم من الحقائق والوقائع والتاريخ، لن يتعلم والبخار يحلّق فوق دماغه الفيزيولوجي.
اننا نفهمكم جيداً، ونعرف تاريخكم. فهل تفهمون؟

السابق
السعودية ترفض انتقادها في مسألة إعدام خادمة سريلانكية
التالي
بان كي مون: الحكومة السورية أججت نيران حرب اهلية تهدد المنطقة