مطلوب مكبّ للنفايات السياسية

لا أدري ما اذا كان فاتني شيء من آراء جبران باسيل في الساعات الأخيرة. فهو تحدث عن "مكبّ النازحين" وكأنه في أعماق مكبّ من نوع آخر. لذلك، لن أستغرب اذا سمعت انه دعا الى اغلاق الحدود، بل اغلاق السماء، أمام العاصفة الثلجية، لأنها ستطمره وتغرقه. فهي قد تعرقل أعمال سدّ بلعا الايراني، والأهم انها قد تبطئ ماراتونه البزنسي – الانتخابي المتواصل، الذي لا يبقى منه سوى البزنس، اما الانتخابات فتبقى غير مضمونة.
كان هذا الوزير، مع سفير النظام السوري في لبنان، نجمي التلفظ بالهراء في ختام العام المنصرم، وفي ظنهما ان البشر الذين تركوا مساكنهم مرغمين، انما فعلوا ذلك طمعاً في أن يصبحوا نازحين يعيشون على فضلات المتفضّلين. لم يرَ الوزير في فرار الفلسطينيين من الموت سوى أنهم يريدون زيادة الرصيد الديموغرافي للمسلمين السنّة في لبنان، وقد فاته أن احداً في لبنان لا يتمنى قدوم نازحين، بمعزل عن الانتماءات. ولم يرَ السفير في القادمين سوى "ارهابيين"، ولا يُلام الأعمى على عماه لكن فليوفّر على نفسه عناء ارشاد المبصرين.
أنكروا وجود ازمة في سوريا، منعوا مجلس الوزراء عن الاعتراف بموجات النازحين، تركوا الأمر للمفوضية الدولية للاجئين وكأن القادمين وفدوا الى بلد آخر، قرروا اعتبارهم من "14 آذار"، اعداء غير مرغوب فيهم، ولو عزّلاً او جرحى، طالما أنهم هربوا من القتل بأيدي "شبيحة" النظام. ثم عندما كبرت المشكلة فطنوا الى أن ثمة مسؤولية على الدولة، وأن الدولة مفلسة ولا امكانات لديها. كان الأجدى إيلاء الأمر الى جبران باسيل، فلديه حلول للكهرباء ولكل شيء، ولكان استقدم مساعدات شرط اقتطاع ضريبة لـ"التيار" على كل "رأس".
الدعوة الى الوزراء العرب لاجتماع استثنائي، أملاً في الحصول على مساعدة، كان يجب ان توجّه قبل أكثر من سنة. لكن الموافقة السورية تأخرت الى الآن، بعدما تأكد النظام من أن النازحين اصبحوا ورقة مربكة إقليمياً. لاحظوا أن الحال الوحيدة التي لم تعرض فيها ولم تتبرع للمساعدة هي تلك المتعلقة بالنازحين السوريين. حتى "حزب الله" الذي يعرف جيداً ما هو النزوح فضّل النظر الى مكان آخر. وبدا كل حلفاء سوريا وإيران كأنهم يعيشون في بلد آخر، في جغرافية أخرى، في انسانية معدومة أو لا وجود لها.
حتى في هذه المسألة التي تمسّ، كما يقولون، الأمن والمجتمع وسوق العمل، أنكروا على الدولة أن تقوم بما هو واجبها، وكان في مقدورها أن تفعل لأن المجتمع الدولي يعرض المساعدة اذا كانت هناك حكومة جدية ولديها إرادة حقيقية لمعالجة المشكلة.
لم تكن المعضلة في ايجاد الأموال اللازمة وإنما في انعدام القرار السياسي والاعتراف بوجود نازحين. من حق الوزراء العرب ان يظنّوا بأن نظيرهم اللبناني جاء مستنجداً، فقط لأن زميله جبران باسيل يتفاوض حالياً مع الايرانيين على تمويل (كاش) مكب على الحدود السورية.

السابق
في وصف وزير لبناني
التالي
التسونامي البرتقالي: مكانك راوح