المطران المنفي.. البطريرك الـ 158

إذا ما قدّر لعارفي البطريرك الأرثوذكسي المنتخب يوحنا العاشر اليازجي، وصفه بكلمات معدودة لقالوا فيه: «عروبي الهوى والانتماء، لاهوتي الثقافة، راهبيّ الروح، منفتح على كل الكنائس، محبّ للشباب ولقضاياهم… ومن أصغر المطارنة سناً».
الرجل الذي دخل المجمع المقدّس مطراناً وخرج منه البطريرك الـ 158 للكنيسة الأرثوذكسية، ليس اسماً طارئاً على أبناء طائفته، من اللبنانيين والسوريين وغيرهم، ولو أنّه قضى القسم الأخير من حياته الاكليريكية في أوروبا، مترئسا أبرشيتها.
كُثر يعرفونه، ويعرفون مزاياه. سيرته غير الموثّقة، انتشرت فور الإعلان عن خروج الدخان الأبيض من المقر البطريركي الصيفي في البلمند، لترسم «بورتريه» لاهوتي واجتماعي وعلائقي عن حياة الراهب الذي صار رأساً لكنيسة انطاكيا الأرثوذكسية.
يعرف لبنان جيداً، وتحديداً بلمنده حيث درّس مادة الليتورجيا في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي، بدءاً من العام 1981. ثم أصبح عميداً لكلية اللاهوت في الجامعة ما بين السنوات 1988-1991 و2001-2005 ورئيساً لدير سيدة البلمند البطريركي ما بين السنوات 2001 – 2005.
ابن اللاذقية، يعرف الأسوار الدمشقية وهموم الأرثوذكسيين بتفاصيلها، قبل الأزمة السورية وبعدها، حيث تابع دراسته الجامعية في كلية الهندسة المدنية في جامعة تشرين، قبل أن ينال شهادة في اللاهوت، عام 1978 من معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي – جامعة البلمند. ثم رُسِم شماساً عام 1979 ثم كاهناً عام 1983 في أبرشية اللاذقية على يد المطران يوحنا منصور.
وفي العام 1993، أصبح رئيساً لدير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي – وادي النصارى، حتى 2005 حيث أسّس رهبنة فيه وأنشأ مدرسة التنشئة الإكليركية على صعيد البطريركية (عين اسقفا للحصن في العام 1995)، وهو أيضاً الأب الروحي لراهبات دير السيدة في بلمانا – طرطوس.
عرف عن الرجل انحيازه لقضايا الشباب وهواجسهم وتطلعاتهم. هو أصلاً خريج «حركة الشبيبة الأرثوذكسية» التي لم يتركها يوماً، لا بل واظب على متابعة حراكها وحراك شبابها. يذكر عارفوه أنّه كان من دعاة الإلتزام الديني والفكري بعيداً عن شرنقة التطرف والإنعزال. ولهذا ترك انتخابه مطراناً على أبرشية أوروبا في العام 2008، أثراً سلبياً في نفوس «الحركيين» الذين اعتبروا في هذه الخطوة استبعاداً لـ«مطران الشباب» كما كان يلقب، لا بل وكأنه نفيٌ له، فصار اسمه «المطران المنفي».
ويتردد أيضاً أنّ الرجل هو واحد من تلامذة المطران جورج خضر، مرشد «حركة الشبيبة»، ومن مدرسته «الروحية». وجاء انتخابه تكريساً لموقع «المعلم» في الكنيسة الأرثوذكسية، الذي لا يزال صاحب كلمة نافذة، لا ترد بسهولة.
يتمتع يوحنا اليازجي بشبكة علاقات دولية، كرّسها وجوده على رأس الأبرشية الأوروبية، كما مع الكنائس الأرثوذكسية، وتحديداً الروسية واليونانية، التي يقال إنها لعبت دوراً في تسميته بطريركاً، لا سيما وأنّه من الأساقفة الذين تتلمذوا في جامعاتها اللاهوتية، حيث نال درجة الدكتوراه في اللاهوت عام 1983 من جامعة سالونيك- اليونان، وتخرج بدرجة شرف.
واللافت للانتباه أنّه كتب أطروحة الدكتوراه باللغة اليونانية تحت عنوان: «خدمة المعمودية المقدّسة (دراسة تاريخية ولاهوتية وليتورجية)». كما حاز على شهادة الدبلوم في الموسيقى الكنسية عام 1981 من المعهد العالي للموسيقى البيزنطية – سالونيك اليونان وكان يدرس العبرية في البلمند.
للبطريرك الأرثوذكسي الجديد مسار طويل مع الكتابة، وله مؤلفات عدة، لاهوتية وتربوية وموسيقية وليتورجية، منها سلسلة دراسات ليتورجية وكتب خدمة رؤساء الكهنة والكهنة والشمامسة بالإضافة للعديد من الترجمات والمقالات والمحاضرات، كما شارك في مؤتمرات عالمية عدّة، أرثوذكسية ومسكونية، في اليونان وإيطاليا وسويسرا وقبرص وأميركا وروسيا وبريطانيا.
يقول المتحمسون له إنّ حبّه للأرض وتمسكه بالجذور يرفعان من منسوب التفاؤل بانتخابه بطريركاً، ليحمل مشعل البطريرك الراحل، وخطابه. يكفي بنظر هؤلاء قراءة أولى كلمات البطريرك الجديد للتأكد بأنّه ما جاء لينقض ما رسمه السلف. ميزة أخرى، قدّمته على بقية المطارنة، وهي صغر سنه (مواليد 1955)، مقارنة مع المرشحين الآخرين المتقدمين بالسن.
يجزم بعض من تابع العملية الانتخابية، أنّ إخراجاً توافقياً هو الذي وضع التاج البطريركي على رأس اليازجي، مدعوماً بتكتل مطارنة «الحركة الأرثوذكسية» إلى جانب مطارنة سوريا الذين صوتوا لمصلحته، مع العلم أنّ المعلومات تفيد أنّ الجلسة الانتخابية استهلت بتعديل للنظام الانتخابي سمح للمطارنة ممن لم تمض خمس سنوات على تعيينهم في رتبة متروبوليت، بالترشح للكرسي الأول. وبدا وكأنّ هناك شبه اتفاق تمّ التوصل إليه في الساعات الأخيرة، قبل دخول المجمع المقدس، أفضى إلى تعزيز حظوظ اليازجي مقابل تراجع حظوظ الآخرين.

السابق
الإرهاب الحلال
التالي
مبادرة الشرع: الفرصة الأخيرة