لا تنتظروا الأزمة السوريّة لأنّ الإنتظار سيطول

تكاد تكون الأزمة السورية لدى بعض القوى السياسية شمّاعة يعلّق عليها كلّ ما يريد التهرّب منه، أو يتذرّع بها أو يناور من خلالها لتسديد أهداف في مرمى الفريق الآخر، أو لتحقيق مكاسب وأهداف ومصالح سياسية على أبواب استحقاق الانتخابات النيابية المقرّرة في مطلع حزيران المقبل.

ويأخذ مرجع كبير على بعض الافرقاء السياسيين أنّهم لا يُقدمون على أيّ مواقف أو مبادرات داخلية للخروج من الواقع المأزوم بحجّة انتظار ما ستؤول اليه الأزمة السورية، في الوقت الذي ثبت أنّ في إمكان اللبنانيين أن ينأوا بأنفسهم عن هذه الأزمة، وعن كلّ ما يجري في المنطقة وينصرفوا إلى معالجة شؤونهم وإعادة بناء بلدهم في مناخ من الحرية والاستقلال عن الآخرين المنشغلين عنهم في شؤونهم لأوّل مرّة منذ عشرات السنين.

ويقول هذا المرجع إنّ الفرصة ما زالت متاحة للّبنانيين لكي يثبتوا جدارةً في تحقيق سيادتهم بمعزل عن الخارج وتدخّلاته وتأثيراته التي عانوا منها طويلاً وفرّقت بينهم لعشرات السنين، تكبدوا خلالها هم وبلدهم خسائر كبيرة على كلّ المستويات.

وينصح هذا المرجع الكبير الأفرقاء السياسيين بقوّة ألّا يراهنوا على الأزمة السورية وألّا ينتظروا ما ستؤول اليه ليبنوا على الشيء مقتضاه، لأنّ انتظارهم سيطول، في رأيه، حيث إنه ليس في الافق ما يشير الى انّ المعالجات المطلوبة لهذه الازمة ستتوافر سريعاً، خصوصاً بعدما بدأت تأخذ طابع الحرب الأهلية التي لن تنتهي إلّا بحلّ سياسي، إذ يستحيل في مثل هذه الحرب ان يتغلب فريق على آخر تماماً مثلما حصل في لبنان الذي انتهت أزمته بحلّ سياسي جسّده إتفاق الطائف.

وأكثر من ذلك فإنّ هذا المرجع لا يرى مصلحة للبنان في ان يبقى بشؤونه وشجونه ومصيره معلّقاً على ما ستؤول اليه الأزمة السورية، أو أيّ ازمة أُخرى في المنطقة والعالم، ويقول: "إنّ اللبنانيين لا يتعلّمون من الماضي ومن خطأ الرهان على الخارج حتى يعالجوا شؤونهم، أو الاستثمار في هذا الرهان من أجل تغليب وجهة نظرهم أو مشاريعهم السياسية في إطار اللعبة الداخلية.

ففي الماضي أدّت الرهانات على الخارج الى إطالة أمد الحرب الاهلية لسبعة عشر عاما، ولم تنتهِ باتّفاق الطائف، وهذا الاتفاق لم يتحقق إلّا عندما تلاقت مصالح الخارج على وجوب حلّ الازمة اللبنانية ولو على "زغل"، والآن وبعد انطلاق ما سمّي "الربيع العربي" في ظلّ الانقسام الداخلي العمودي حيناً والأفقي احياناً، والعمودي والافقي في بعض الحالات، انقسم اللبنانيون بقواهم السياسية حول هذا الربيع، فبعضهم ايّده في هذه الدولة او تلك، والبعض الآخر رفضه او ايّده في دول أُخرى، ليستقرّ الجميع حاليّا امام الازمة السورية، فينقسموا بين مؤيّد للنظام وداعم له، وبين معارض لهذا النظام وداعم للمعارضة السورية، لكن لبنان لم يجنِ حتى الآن ايّ نتائج من شأنها أن تفرّج أزمته، بل على العكس فإنه يتلقى الانعكاس السلبي تلو الآخر ممّا يجري في المنطقة، ولكن التأكيدات الخارجية بوجوب الحفاظ على الاستقرار اللبناني، والمبنية على نصائح دولية، وليس حبّاً بلبنان، هي ما جنّب البلاد حتى الآن إنتكاسات خطيرة تطل برأسها من حين الى آخر في بعض المناطق اللبنانية الحسّاسة.

وفي ضوء توالي الازمة السورية فصولا وما تتركه من انعكاسات على الوضع الداخلي اللبناني والتي ما تزال تحت السيطرة تقريباً، فإنّ القوى السياسية، او بعضها، باتت لا تُقدم على أيّ خطوة في اتجاه الآخر بما يفرّج الازمة الداخلية مؤثرةً انتظار ما ستؤول اليه الازمة السورية.

ولذلك يتعطّل العمل لإقرار قانون الانتخاب العتيد، وكذلك يتعطّل انعقاد طاولة الحوار الوطني بفعل مقاطعة فريق 14 آذار التي توسّعت لتشمل مجلس النواب انسجاما مع مقاطعة هذا الفريق لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وسعيه الى إسقاطها وتأليف "حكومة حيادية" تشرف على استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، كلّ ذلك يحصل لأنّ فريق 14 آذار يراهن على سقوط النظام السوريّ لأنّه يعتقد بأنّ هذا السقوط سيضعف فريق 8 آذار وحلفاءَه، الامر الذي يمكّنه عندئذ من قلب الطاولة الداخلية وترجيح مشروعه السياسي على مشاريع خصومه السياسيين الآخرين…

وفي المقابل فإنّ فريق 8 آذار الذي لا يخفي قلقه على النظام السوري الحليف له، فإنّه يدرك رهانات فريق 14 آذار على سقوط هذا النظام وما يبني عليه من مشاريع.

ولذلك فإنه يتصدّى له متمسّكاً بالحكومة الميقاتية مؤيّداً انعقاد طاولة الحوار من دون شروط مسبقة، وفي الوقت نفسه ليس في وارد التخلّي عن الحكومة أو القبول بتغييرها ما لم يتمّ الاتفاق مسبقاً على حكومة وفاق وطني بكلّ تفاصيلها، ولكن في يقينه انّ تأليف مثل هذه الحكومة ليس وارداً، بل في يقينه ايضاً ان ليس من مصلحته ان يتخلّى عن حكومته التي ستدير الاستحقاق الإنتخابي لكي يعطي خصومه ما يمكن أن يريحه انتخابيّاً من خلال حكومة جديدة يشاركه القرار فيها.

ولذا فإنّ الحديث عن حكومة جديدة يبقى مَضيعة للوقت، في ظلّ الاستمرار في الرهان على سقوط النظام السوري أو في ظلّ إستمرار البعض في موقف انتظار ما ستؤول اليه الأزمة السورية.

السابق
سليمان يطعّم وفوده
التالي
طرابلس: “حكمة” الحرب البديلة