جهاد المقدسي: مستقيلٌ أم منشقّ؟

اتّسعت البارحة لائحة المنشقّين رفيعي المستوى من دوائر الرئيس السوري بشار الأسد، فـ"صوت النظام السوري"، المتحدث بإسم وزارة الخارجية جهاد المقدسي، فرّ إلى بيروت ومن ثم استقل طائرة إلى لندن، وفق ما يقال، أو ربما إلى الولايات المتحدة.

عمل المتحدث السابق بإسم الخارجية، وهو سوري مسيحي في الأربعينات من عمره، مع وزارة الخارجية السورية لعشر سنوات، يتكلم الانكليزية بطلاقة، وكان شغل منصب المتحدث بإسم السفارة السورية في لندن واستُدعي إلى دمشق منذ سنة ليصبح صوت خارجيتها، إلا أنه وبعد سنة من لعبه دور "محامي الشيطان" في الإعلام العالمي، دخل المقدسي في فترة صمت لأسباب غير معروفة. زجاء سفره كمفاجأة لبعض شخصيات المعارضة، فيما آخرون كانوا يتوقعونه. لكنّ معظم أصوات المعارضة تتفق على أن فرار المقدسي من دمشق هو خبر "جيد".

"مغادرته النظام والبلد له قيمة أخلاقية ورمزية كبيرة"، قال الناشط البارز في المعارضة السورية ميشال كيلو لـ"NOW". واعتبر أن المقدسي كان "النجم التلفزيوني الذي استقدمه نظام الأسد للإظهار للعالم أن الحكومة في دمشق موثوقة وذات مصداقية"، مشيراً أيضاً إلى أن "المقدسي، كمسيحي، لعب دور الممثل لطائفته، وكان يُراد من ذلك إقناع العالم بأن جماعته تؤيد النظام".

من جهته، شكّك جابر زين، المعارض السوري البارز وابن رئيس حكومة أطاح به انقلاب عسكري في السبعينيات، بفرار المقدسي. "خبر جيد انه فر وأنه ابتعد عن الجرائم التي تحصل". لكن أن يتم استقباله كجزء من المعارضة… "لا أعتقد أن المعارضة بحاجة إلى مزيد من الكوارث. لديها ما يكفيها"، أشار زين.

أما الصحافي المقيم في لندن ورئيس تحرير قناة "البردى" التلفزيونية المعارضة، مالك العبدة، فقال لـ"NOW" إنه توقع فرار المقدسي في وقت سابق. شرح العبدة أن مقدسي كان جزءاً من مجموعة من الشباب السوري الذي تلقى تعليمه في الغرب، والمؤيد لبشار الأسد ("البشاريين")، مثل عبدالله الدردري (نائب رئيس الحكومة السورية السابق للشؤون الاقتصادية والمدير الحالي لـ"قسم التنمية الاقتصادية والعولمة" في منظمة "الإسكوا" التابعة للأمم المتحدة).

"لم يكونوا بعثيين، هم فقط آمنوا بأجندة بشار الإصلاحية، وأفكاره حول التنمية الاقتصادية. هؤلاء الناس التزموا الصمت أخيراً. صحيح أن القليل جداً منهم انضم إلى المعارضة بعد انشقاقه. لكن بما أن لا خلفية عسكرية لهم، بل يأتون من عالم الإعلام، الديبلوماسية، أو الأعمال، فهم لا يريدون أي علاقة بالحكومة بعد الآن. هم يفكرون في المستقبل"، أشار العبدة.

العديد من شخصيات المعارضة يقولون إن المقدسي فر لأنه هُدّد بعد ارتكابه خطأً جسيماً. ففي تموز الماضي أعلن المقدسي أن سوريا لن تستعمل أسلحتها الكيميائية، معترفاً، بشكل ضمني، بأن سوريا بالفعل لديها أسلحة كيميائية.

من الممكن أن تكون هذه بداية النهاية، إذ إن النظام السوري معروف بأنه ليس كثير التسامح مع كبار الشخصيات الذين يرتكبون أخطاء.

قناة "المنار" التلفزيونية (التابعة لـ"حزب الله") ذكرت أن المقدسي صُرِف من الحكومة السورية بسبب إدلائه بتصريحات لا تتماشى مع مواقف النظام. ومنذ ذلك الحين، لم يظهر المقدسي على شاشة التلفزيون بالقدر الذي كان يظهر به في السابق.

"حالته كانت متزعزعة. على الرغم من الخدمات التي قدمها، لم يكونوا دائماً راضين عنه"، قال المعارض السوري البارز ميشال كيلو لـ"NOW". "المقدسي كان عرضة لانتقاد داخلي. (البعض قال) انه لم يعرف كيف يعبر عن سياسة النظام بصورة صحيحة وانه لم يمتلك الخبرة الكافية"، أضاف كيلو.

من جهته، قال المخرج السينمائي السوري والناشط المعارض شادي ابو فخر إنه مقتنع بأن المقدسي انشق. "في منصب كهذا وفي هذه اللحظة لا أحد يستقيل. لم يكن على السمع لمدة عشرة أيام. يقال انه في بريطانيا مع عائلته. لا معلومات مؤكدة لدي، لكن أوساط المعارضة تقول إنّه انشق"، أضاف أبو فخر.

وأشار كيلو إلى أن انشقاق المقدسي يعني أن النظام يواجه صعوبات ضخمة. في الأسابيع الأخيرة، أحرزت قوات الثوار تقدماً، مستوليةً على قواعد عسكرية للنظام، بعضها قريب من العاصمة دمشق. وفي ظل حديث عن أن الجيش النظامي نَقَل أسلحة كيميائية، حذّر الرئيس الأميركي باراك أوباما مجدداً الأسد من استعمالها. "هو يعرف أكثر من أي شخص آخر أن النظام يتهاوى"، أشار أوباما.

إلا أن العبدة، من جهته، يعتقد أن المعلومات الآتية من سوريا يجب أن تقارب بشيء من الحذر، فـ"هناك الكثير من الضجيج في الخارج. الجميع يقولون إن الثوار يحرزون تقدماً كبيراً وإن الأسد سيسقط. لكن هذا الخطاب يُتداول منذ فترة غير قصيرة. صحيح أن قوات الحكومية السورية أُضعفت. لكن إذا كان النظام يتهاوى، فإنه سيسحب قواته من باقي أنحاء البلاد ويجمّعها حول دمشق. هذا لم يحصل حتى الآن"، ختم قائلاً.

السابق
لبنان من الدول الخمسين الاكثر فسادا في العالم
التالي
صالح: للعودة الى منطق العقل وتقديم المصلحة الوطنية على ما عداها