إيران تدعم الحرب في سوريا

لا ضرورة لأي اعتراف إيراني ضمني أو علني، حول المساعدات التي تقدّمها للنظام الأسدي. طهران لا تعتقد أنّ الرئيس بشار الأسد قادر على الانتصار ولا على فرض سلطته على كامل الأراضي السورية، لكن طهران ليست مستعدة حالياً لتحمّل خسارة النظام الأسدي وبالتالي خسارة وجودها في سوريا، وأن تضع مستقبل "حزب الله" في لبنان معلّقاً على جملة متغيّرات ومتحوّلات الكثير منها غير مضمون النتائج. تعرف القيادة الإيرانية جيداً أنّ خسارة الأسد، خسارة مباشرة لها. سوريا ليست ملفاً عادياً في "سلّة" ملفاتها. إنّه ملف استراتيجي بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران. العلاقة العميقة والواسعة التي وفّرها الاسد الابن مع إيران لا يمكن تعويضها. خصوصاً أنّه وضعها جغرافياً على حدود فلسطين، فاكتمل بذلك خطابها الايديولوجي كله حول التزامها بالقضية الفلسطينية. أيضاً فإنّ سقوط دمشق، يعني مباشرة سقوط حلف الممانعة. "حماس" خرجت من هذا الحلف، وبقاء منظمة "الجهاد" فيه لا يعوّض خسارتها لحركة "حماس". منظمة "الجهاد" ستبقى في غزة تحت "عباءة" "حماس" الأمنية. لا مجال كثيراً للعب والتلاعب. أمّا العراق فإنّه عضو في هذا الحلف من الخارج. لا يستطيع نوري المالكي مهما بالغ في اللعب على الحبل الأميركي أن يلعب على المكشوف. وضعه مختصر في غض النظر عن الجسر الجوّي الإيراني إلى سوريا من دون تبنّيه. الحجّة الوحيدة للمالكي أنّه لا يستطيع أن يأمر بتفتيش كل الطائرات الإيرانية التي تعبر الأجواء العراقية بحثاً عن السلاح، لأنّ هذه المهمة معقّدة وصعبة وتحمل أخطاراً غير متوقّعة.
سقوط تحالف الممانعة يعرّي إيران قطعة قطعة أمام الأميركيين. قوّة إيران ليست في صواريخها ولا نفطها، وإنّما في غنى "سلّة" ملفاتها وتنوّعها. في المفاوضات لكل ملف حساباته والمطالب التي ينتجها يجعلها وازنة، طالما أنّ الحرب ممنوعة للإيرانيين قبل الأميركيين، لأنّ خسارتها مضمونة ونتائجها كارثية، فإنّ المفاوضات آتية لا ريب فيها. علماً أنّ مباحثات استطلاعية تجري رغم كل النفي الإيراني. دقّة المرحلة التي يمرّ بها النظام الإيراني، تفرض عليه تكرار النفي، علماً أنّ مسألة تطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران تشكّل جزءاً من التنافس الانتخابي بين المرشحين المعروفين والمحتملين.
من مصلحة إيران المباشرة أن تطول وتستمر الحرب الداخلية في سوريا، طالما أنّ الحسم مستحيل لمصلحتها ومصلحة بشار الأسد. استمرار الحرب يسمح للمفاوض الإيراني، بالحفاظ على الملف السوري حتى ولو كان ناراً مشتعلة. فن التفاوض يفرض قواعده والإيراني مفاوض بارع أصلاً وفي سوريا يفاوض من "كيس" السوريين. سقوط عدة آلاف آخرين من السوريين لا يؤثّر في حساباته. عند المصالح الاستراتيجية تتراجع العلاقات والمشاعر الإنسانية. ما يساعد النظام الإيراني على هذه البرودة في المشاعر الإنسانية، أنّ أعمدة النظام الأسدي، لا يعنيهم عدد الضحايا السوريين الذين يسقطون ولا الدمار الهائل الذي يضرب سوريا من شمالها إلى جنوبها، والذي يهدّد باجتياح دمشق بعد أن بدأت المعركة تقترب من قلبها. عندما ينقل عن أم سليمان زوجة الرئيس الراحل حافظ الأسد ووالدة الرئيس بشار والعقيد ماهر الأسد، "تسلمنا سوريا وعدد سكانها أقل من سبعة ملايين نسمة، ولن نتخلى عنها قبل أن تعود كما تسلمناها".
مشكلة إيران وكل الأسديين، أنّ "الجنرال" وقت، لم يعد يلعب لصالحهم في سوريا. السلاح بدأ يصل إلى الثوار. مجرّد أن يتم تحييد الطيران الأسدي ولو جزئياً ستتغيّر موازين القوى. أيضاً كل القوى الدولية من أصدقاء شعب سوريا ومن "أصدقاء النظام الأسدي" على السواء، يبحثون عن حل ينهي الحرب بسرعة. الجميع أدركوا أنّ كل يوم قتال إضافي يرفع منسوب تواجد القوى الظلامية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حافظا على خلافهما حول سوريا، إلا أنّهما قررا متابعة البحث، خصوصاً أنهما متفقان على "وقف العنف"، وعلى تطوير التبادل التجاري بينهما إلى مبلغ مائة مليار دولار في السنة. مثل هذا الرقم يتطلب تفاهماً أكبر يؤكد تعاونهما. لكن يبدو أنّ في قلب هذه العلاقات التي تمتد من سوريا إلى القوقاز محاولة جدّية لبناء علاقات تأخذ في الاعتبار مستقبل علاقاتهما بإيران. فلا روسيا، كما أكد سيرغي إيفانوف، رئيس ديوان الرئاسة الروسية، تريد على حدودها "إيران نووية". ولا شكّ أنّ تركيا لا ترغب في ذلك حتى لا يفرض عليها سباق نووي مكلف يعطّل عليها كل طموحاتها الاقتصادية إلى جانب أنّ تركيا تأخذ دائماً في حساباتها حضور "القوّة الإيرانية" تاريخياً منذ السلطان سليمان القانوني وحربه مع الصفويين.
الكرة السورية في قلب الملعب الإيراني في وقت حساس وحرج من دورة اللعب كلها. كل يوم له حساباته في الخانة الإيرانية قبل غيرها.
 
 

السابق
مصر.. ترهيب الإعلام
التالي
الجنس الإفتراضي نوع من الإدمان!