إسرائيل والقلق الحقيقي

مصادر دبلوماسية عربية تؤكد أن العدوان الصهيوني على غزة لم يكن مفاجئاً للأوساط المراقبة والمتابعة لحركة قادة العدو الصهيوني داخل «إسرائيل» وخارجها، وما يحصل اليوم من عمليات عسكرية «إسرائيلية» تستهدف المدنيين، ومواقع السلطة في غزة، المدنية منها والعسكرية، والتي كانت بدايتها في عملية اغتيال القائد الميداني أحمد الجعبري الذي كان متوقعاً خصوصاً بعدما ظهر العجز «الإسرائيلي» في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وضرب حزب الله في لبنان، بعد ظهور طائرة «أيوب» في سماء فلسطين المحتلة، فكان لا بد من أن تعرض «إسرائيل» عضلاتها في غزة، باعتبارها من وجهة نظر قادتها السياسيين والعسكريين، الخاصرة الرخوة قياساً بإيران وحزب الله. وذلك في محاولة لاستعادة قوة الردع «الإسرائيلية» التي تآكلت في حربي تموز عام 2006 وغزة في عام 2008، بالإضافة إلى عامل أساسي عند المسؤولين في كيان العدو الصهيوني، وهو أنه لا بد على أبواب الانتخابات «الإسرائيلية»، من أن يقدموا على عمل عسكري ما، فكانت عملية المقاومة التي استهدفت جيباً عسكرياً «إسرائيلياً» وما نتج عنها من خسائر في صفوف الجنود «الإسرائيليين»، ذريعة لبدء عملية عسكرية ضد قطاع غزة، تحرق الأخضر واليابس.

وترى المصادر الدبلوماسية العربية أن تقديرات المخابرات «الإسرائيلية» حول موضوع الصواريخ التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية في غزة، وتحديداً حركتي «حماس» و»الجهاد» لم تكن دقيقة، حيث اعتبرت القيادة العسكرية والأمنية في «إسرائيل»، أن هذه الصواريخ ذات الصنع المحلي، وصواريخ أخرى من صنع إيراني وسوري يمكن توجيه ضربة قاصمة لها بزعمها معرفة المخازن الموجودة فيها، ولكن بعد مرور ستة أيام على العدوان الصهيوني ما زالت المقاومة تطلق عشرات الصواريخ يومياً على مناطق متفرقة من فلسطين المحتلة وصلتا إلى «تل أبيب» وإلى القدس، وهذا ما جعل القيادة العسكرية تعيش حالة من القلق الحقيقي خصوصاً وأن وزير الدفاع «الإسرائيلي» كان وعد الشعب «الإسرائيلي» بأنه سيقضي على عملية إطلاق الصواريخ من غزة بصورة جذرية إلا أن القواع ثبت العكس.

وتقول المصادر الدبلوماسية العربية، إن توقيت العملية العسكرية «الإسرائيلية» ضد غزة جاء بعد الانتخابات الأميركية مباشرة وهي محاولة لجس نبض الرئيس الأميركي أوباما بعد الحديث عن وجود خلافات حقيقية بين الإدارة الأميركية ورئيس وزراء العدو، كما أن «إسرائيل» من خلال هذه العملية، أرادت أن تتحقق من مدى التغيير الحاصل في سياسة الرئيس أوباما، هل أنه ما زال ملتزماً بموقفه السابق بدعم «إسرائيل» في حروبها، مع الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا ودول أوروبية أخرى، أعلنت موقفها الواضح في دعمها لـ»إسرائيل» في حربها ضد غزة وتحميل المسؤولية إلى حركة «حماس» التي اتهموها القيام بأعمال إرهابية، مع العلم أن «إسرائيل» وحسب مصادر مؤكدة، كانت أبلغت الإدارة الأميركية نيتها القيام بعمل عسكري ضد حركة «حماس» وحركات المقاومة في غزة، وأخذت الضوء الأخضر الأميركي بهذا الخصوص.

كما أن «إسرائيل» أرادت أن تجس نبض المصريين، وإلى أين يمكن أن يذهب الموقف المصري، خصوصاً وأن المخابرات المصرية والمخابرات الصهيونية على تواصل وتنسيق شبه يومي وعلى أكثر من صعيد، وأن المخابرات «الإسرائيلية» تعرف جيداً الوضع الداخلي في مصر، على كافة الصعد سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً وحزبياً واجتماعياً، فتبين أن الموقف المصري ترجم من خلال زيارة رئيس الحكومة المصرية إلى قطاع غزة، ووعد بتقديم مساعدات طبية وإنسانية، وهذا هو السقف المصري لدعم غزة وشعبها، إلى درجة أن رئيس الوزراء المصري تحدث عن «هدنة» تكون مقدمة لإقامة السلام بين «إسرائيل» والفلسطينيين، وهذا كلام كبير وواضح جداً في مسار السياسة المصرية تجاه العدو الصهيوني، ثم عاد رئيس الحكومة المصرية لتصحيح عبارة «الهدنة» بـ»التهدئة» والفرق كبير بالمعنى السياسي بين الكلمتين، ناهيك عن اعتراف أحد قادة الإخوان المسلمين في مصر بأن مصر تمر حالياً بمرحلة انتقالية، وأن مساعداتها إلى غزة محدودة جداً، نتيجة أوضاعها الداخلية.

من هنا ترى المصادر الدبلوماسية العربية، أن «إسرائيل» بعمليتها هذه أرادت أن توجه مجموعة رسائل تنتظر الرد عليها من مصر والأميركيين وحركة «حماس»، فجاءت الردود سريعة من هذه الجهات ليضاف إليها التحرك القطري والتركي، وهذه الجهات جميعها تسير في الفلك الأميركي واستعجلوا في لقاءاتهم لإيجاد المخرج الذي ينقذ «إسرائيل» من ورطتها بصورة عامة ورئيس وزرائها بصورة خاصة حيث تؤكد مصادر سياسية ودبلوماسية أن إطالة عمر الحرب على غزة، لن تكون في مصلحة رئيس وزراء العدو، مع اقتراب الانتخابات النيابية، ولا في مصلحة الدول الداعمة لـ»إسرائيل»، وخصوصاً في المنطقة العربية والإقليمية، لأن ما حصل حتى الآن عرّى بعض الأنظمة العربية وتركيا التي كانت تدعي باستمرار حرصها على الشعب الفلسطيني، ولذلك هم سارعوا الى إيجاد الحلول على حساب غزة و»حماس» والفصائل الفلسطينية المقاومة، وعلى حساب دم الشعب الفلسطيني لصالح العدو الصهيوني.

السابق
تنازع الإرث السنّي
التالي
3 حروب تُحاصر اللبنانيين