سياسة قم لأقعد مكانك

في الوقت الذي تصرّ فيه المعارضة على ضبط حِراكها السياسي على إيقاع المقاطعة الحكومية ـ البرلمانية في إطار ما تعتبره ضغطاً باتجاه إسقاط الحكومة، ما تزال المناخات الإقليمية والدولية، كما الداخلية، خالية من مثل توجه كهذا، اللهم إلا إذا سبق الرغبة في تغيير الحكومة الحالية الاتفاق المسبق على شكل ومكونات الحكومة المقبلة، إذ أن هناك إصراراً ثابتاً لدى مختلف الأطراف المعنية بالشأن اللبناني على رفض أي خطوة من شأنها أن تترك مصير لبنان في المجهول.
والثابت حتى هذه اللحظة أنه في حال سلّمنا بأن الحكومة قد تتغير فهذا لا يعني أن أي حكومة مقبلة ستأتي سيكون رئيسها غير الرئيس نجيب ميقاتي الذي ما زال يحظى بثقة الأميركيين والفرنسيين وبعض العرب، وأن هذه المسلّمة وصلت إلى مسامع فريق «14 آذار» وعلى وجه الخصوص «تيار المستقبل» بشخص الرئيس فؤاد السنيورة، وكان وقع هذا الخبر كالصاعقة، لاسيما أن «تيار المستقبل» يعمل على إسقاط الحكومة على قاعدة «قوم حتى اجلس مطرحك»، وحتى الآن وبالرغم من الصراخ العالي والوقوف طويلاً على حائط المبكى الأميركي والفرنسي والسعودي، فإن هذا الهدف «المستقبلي» ما زال بعيد المنال، وأن كل الحفر التي حفرت في طريق الرئيس ميقاتي ذهبت أدراج الرياح، لأن هذا الرجل ما زال يتمتع بثقة مختلف الأطراف الإقليمية والدولية التي تتابع الوضع اللبناني وتشارك في بعض الأحيان في حياكة قرارات خارجية تتعلق بالداخل اللبناني.
وفي تقدير مصادر سياسية متابعة أن فريق «14 آذار» لن يكون له أي منفذ للهروب طويلاً من الحوار، وأن من نتائج المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي مع المسؤولين السعوديين ستكون حثّ هذا الفريق على المشاركة في طاولة الحوار، على غرار الدعوة الملكية لهذا الفريق منذ أشهر للجلوس إلى طاولة الحوار بناء على رغبة الملك عبدالله بن عبد العزيز، مشددة على أنه لم يعد أمام «تيار المستقبل» إلا خيار من اثنين: إما الذهاب إلى الحوار أو استمرار اللطم على الوجه.
وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن صورة التوجه الإقليمي والدولي أصبحت واضحة لدى هذا الفريق وتتلخص بأن لا مجال لتغيير حكومي يؤديإلى دخول لبنان في الفراغ، وأن الحل الوسط لدى هؤلاء هو تحضير الأرضية الملائمة لتغيير الحكومة بشكل يكون معها لبنان في منأى عن أية تداعيات سياسية أو ارتجاجات أمنية من الممكن أن تحصل.
وتؤكد المصادر أن قيادات «14 آذار» تكبِّر الآن الحجر في مسعى من قبلها للحصول على أي شيء يحفظ لها ماء الوجه، وحتى هذا التذاكي السياسي المكشوف لتحقيق هذه الرغبة، باعتبار أن فريق الثامن من آذار قد حدد مساره السياسي وأسقط من قاموسه كلمة «كاريتاس» بمعنى أن فريق 8 آذار لم يعد في وارد تقديم أية تنازلات، فقد قدم الكثير.. الكثير في محطات سابقة، وبدلاً من أن يثمن هذا النوع من التعاطي ذهب الفريق الآخر في تعنته إلى حد الاستئثار بالسلطة ولو فتح له المجال لكان وصل به الأمر إلى حد تعليق المشانق كرمى عيون من يراهن عليهم من الأميركيين وغيرهم من الملحقين بهم من قادة عرب.
وتجزم المصادر السياسية بأن ما يضمره فريق «14 آذار» عكس ما يعلنه تماماً، فهو في العلن يريد إسقاط الحكومة، غير أنه في السر يعمل على اللعب على عامل الوقت لتضييق المسافة أكثر فأكثر أمام المناقشات للإتيان بقانون جديد للانتخابات، فهو يريد إما إجراء الانتخابات على قانون الستين، أو عدم إجرائها، بعدما لمس في أكثر من محطة أن التآكل الذي هشم جمهوره لن يجعله قادراً على العودة إلى السلطة على حصانٍ أكثري، أو أقله المحافظة على مستواه الموجود حالياً، فمن خلال إحصاءات ودراسات وظفت في سبيل وضع خريطة انتخابية تظهر فيها الأحجام السياسية على حقيقتها تبين لهم أن هذا الحجم أخذ بالتراجع يوماً بعد يوم، وأن وجود سعد الحريري في الخارج وافتقاد الشارع «المستقبلي» للقائد الفعلي له، أصاب هذا الشارع بحالة من الإحباط وتوجيه اللوم إلى من تركهم في «فوهة المدفع» بينما هو يصول ويجول بين القصور الخليجية والمقاهي الباريسية وبشكل سري في الأروقة التركية.
ولهذه الأسباب ترى المصادر أن حلم «المستقبل» بالتغيير الحكومي سيبقى مجرد سراب، وحتى إن حصل ستكون السفينة الحكومية الجديدة على عكس الرياح الحريرية التي لن تتجاوز بالتعبير المجازي للكلمة الصحارى السعودية.

السابق
اسبوع مهين لعباس
التالي
سليمان والابراهيمي: تلازم مأزقين