وعد عباس بعد وعد بلفور

اسرائيل هي الدولة الأكثر حظاً في العالم وفي التاريخ. وعندما لم يكن لليهود دولة، تسابق الغرب والشرق على اختراع دولة لهم على أرض فلسطين. وجعلوا منها لاحقاً دولة مقدسة فوق الشرائع الإلهية والدنيوية، ويحق لها ما لا يحق لغيرها، وانتقادها أو مهاجمتها يندرج في إطار التابو و… المحرمات! ومن يتجاسر على فعل ذلك يتهم بالعنصرية واللاسامية التي هي القانون الأسمى في العرف الدولي! واسرائيل هي الدولة الأكثر حظاً من معظم الأنظمة العربية التي لم تتحد لمواجهة احتلالها لأرضهم ومقدساتهم. وكافأوها على العكس بإقامة أحر علاقات التعاون والود معها فوق الطاولة وتحتها. وعندما عرض العرب عليها سلاماً دائماً وشاملاً وناجزاً ومؤزراً، واجهتهم بالتجاهل والعنجهية، حتى لا نقول بالاستهانة والازدراء. وقد حرص العالم على أن يجعل من اسرائيل هي الأقوى والأعظم من العرب أجمعين، ولا سيما الغرب الاستعماري الانتقامي. وحرص أيضاً على تعظيم قوتها بإضعاف العرب بالحروب والفتن والاقتتال الداخلي والتنابذ… بل فعلوا الأخطر بأن جعلوا للعرب آفة من جنسهم، واخترعوا لهم من الاسلام المتسامح والحنيف، اشتقاقاً منحرفاً ومدمراً تحت تسمية الاسلام المتطرف والتكفيري لإغراقهم في حروب إفناء ذاتي حتى الرمق الأخير!

كانت اسرائيل الأكثر حظاً من القيادات الفلسطينية ذاتها. وعندما لاح بريق أمل في آخر نفق الاحتلال بقيام المقاومة المسلحة بقيادة ياسر عرفات، حاصره العالم لا سيما الغربي مع حلفائه في كل مكان، بأسلوب النَفَس الطويل، الى أن أسقطوا البندقية من يده، وأبقوا غصن الزيتون في يده الأخرى، وواكبوه مخفوراً على طريق الانتحار السياسي الى أوسلو تحت عنوان المفاوضات وتحت مغريات الأضواء الدولية وعقد القمم مع كبار هذا العالم، ضرب البخار في رأس الرجل، وانتقل من الترحال في العالم الواسع، وذهب بقدميه الى الفخ ليعيش في طوق يحتضنه العدو، وعلى مقربة منه وتحت أنظاره، ولينتقل بذلك من الانتحار السياسي الى الانتحار الجسدي. وعندما تهيب الاسرائيليون من اغتياله بالرصاص، وكانوا قادرين على ذلك. وعجزوا عن الوصول الى مطبخه وطبقه على مائدة الطعام لاغتياله بالسم، اخترعت مخيلتهم الشيطانية اغتياله بالأشعة المسمومة… عن بُعد! وبعد رحيل ياسر عرفات صارت المهمة أسهل… وأصبح من الممكن قسمة الفلسطينيين أفقياً وعمودياً، بين حماس إسلامية وفتح علمانية، وبين ضفة وغزة!

… وفي آخر الزمان، وفي زمن الانهيارات العربية المسماة ثورات عربية وربيع عربي، نقش الحظ مع اسرائيل، ورزقت بقيادة فلسطينية حملت غصن الزيتون الموروث من ياسر عرفات. حملته زمناً طويلاً الى أن ذبل ويبس، وأصبح في إمكان حامله أن يطلق نظريات في دفن الأوطان دون أن يرف له جفن، وأن يزعم ويدعي أن السلام دون قيد أو شرط هو الوطن وليس الأرض! وألمح محمود عباس صاحب هذه النظريات الجديدة والمسمى رئيس السلطة الفلسطينية، الى أنه فلسطيني لا يحمل الجنسية الاسرائيلية ولذلك لا يحق له أن يعود الى مدينته صفد التي أصبحت اسرائيلية! وكأنه كان يتمنى ضمناً أن يحصل له ما حصل لمواطن فلسطيني مرموق في بيروت قال إنه ليس لبنانياً ويتمنى لو حصل على الجنسية الفلسطينية، فبادر محمود عباس بوصفه رئيساً للسلطة الى منحه الجنسية المشتهاة… وفي زمن الانهيارات العربية ولد وعد عباس بعد ٩٥ عاماً على ولادة وعد بلفور!

السابق
العربي والإبراهيمي بحثا مع لافروف تقريب وجهات النظر العربية الروسية
التالي
الصلاحيات الرئاسية