التوظيف الاستراتيجي للحرب

 ليس سوى تفصيل في سيناريو كامل الأوصاف ما كشفه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان: المواد المصادرة من الطائرة السورية التي أجبرتها تركيا على الهبوط هي ذخائر روسية مرسلة الى دمشق. فلا موسكو تكتم تزويد سوريا بالأسلحة ولا ما تلح عليه سوى أن تتوقف تركيا ودول غربية وعربية عن تسليح المعارضة وتمويلها. وهي في الدعوة الى فتح قناة مباشرة بين دمشق وأنقرة خشية الاندفاع في تصعيد عسكري خطير على الحدود بين البلدين، بدت قليلة الخشية من أزمة مع تركيا.

واللعبة مكشوفة بين اللاعبين الكبار والصغار، بحيث لا أسرار في الكواليس ولا على المسرح في حرب سوريا، موسكو توظف ميزان القوى وميزان المصالح في لعبة استراتيجية مع أميركا حول المشاركة في ادارة النظام العالمي وترتيب النظام الإقليمية. وطهران تتصرف على أساس أن حرب سوريا هي حرب كونية كما تسميها دمشق، لها ملاحق في لبنان والعراق ثم في ايران نفسها. أنقرة تراها نقطة تحول في العودة الى ما سماه اردوغان شجرة الدلب التركية الممتدة من السلاجقة الى العثمانيين والجمهورية، لكنها مكبلة بقيود الحسابات الأميركية والمشاكل في وضعها الداخلي.

أما واشنطن، فإن توقيتها يتخطى الانتخابات الرئاسية، وحساباتها تبدأ بالخوف من تنامي التيارات الأصولية بين المعارضين وفي صفوف الجهاديين القادمين من بلدان عدة وتنتهي بالبحث عن الصورة في اليوم التالي. وأما الدول العربية والغربية التي تسلح المعارضين، فإنها تتنافس على استقطاب تنظيماتهم، وتصطدم بالحواجز الأميركية والتركية التي تمنع وصول الأسلحة المضادة للطيران والدبابات.

وما يقوله بان كي-مون وبوتين وأوباما وهولاند وسواهم هو تمارين في العبث. فلا هناك فرصة جدية لوقف النار من طرف واحد أو من الطرفين معاً، وهما ذاهبان في الصراع المسلح الى النهاية. ولا الحل السياسي الذي يتحدث عنه الجميع له فرصته، بصرف النظر عن مفارقة الدعوة اليه من دون تدخل خارجي وسط كل أنواع التدخل الخارجي في الواقع. ولا الممثل الخاص المشترك الأخضر الابراهيمي الذي عاد الى المنطقة يجهل أن المشاورات التي يجريها لن تقود الى مكان.

والشيء الوحيد الملموس هو الدمار وارتفاع أرقام الضحايا في بورصة الدم اليومية. وليس أخطر من الدمار المادي للمدن والقرى والمواقع الأثرية سوى تدمير النسيج الاجتماعي للشعب السوري. واذا لم يكن دمار سوريا مطلوباً، فإنه ليس ضد مصالح اللاعبين. ولا أحد يعرف كيف يمكن حكم سوريا بعد كل هذا الدمار. وتلك هي المسألة.  

السابق
نصر الله يبند المواقف الخلافية: ارسلنا الطائرة ولا نقاتل في سوريا
التالي
إطفاء الحريق في سورية مصلحة إقليمية