خـطّ فاصـل

عندما كان في سن الخامسة عشرة، كان يعمل في ورشة بناء. لم يكن يشكو كثيرا، فهو اعتاد، في عمله، على كل شيء تقريبا، على لامبالاة العابرين.
اليوم، بتعب أقل، صار يجلس بدلاً من أن يكون مضطرا لحمل الأخشاب على كتفه أو مواجهة ظروف الطقس المختلفة. اليوم، لم يعد يعاني من دوار الأماكن المرتفعة.
سمع مرة أن المال لا يصنع السعادة. هذا غباء. الفقر أيضا لا يصنع السعادة.

منذ 3 سنوات، صار يقود «الفان رقم 4». صار عنده ركابه الدائمون. ثلاث سنوات كان يراقب فيها الشوارع وهي تتغير. كان يرى الأبنية تنمو إلى جانبي الطريق. يراها تنمو وهو يعرف أنها لا تفعل ذلك وحدها.
كل اثنين، عند السابعة وخمس دقائق، تصعد فتاة من شارع الحمرا. هذا موعدها الثابت، وهو يصل عادة في موعده. أحيانا، يتأخر لدقائق قليلة تكفي ليسرق منه سائق «فان» آخر ركابه والألف ليرة التي يتقاضاها عن كل واحد منهم. دقيقة واحدة تكفي ليسرق منه الفتاة التي لم تبتسم له يوما. تحمل كتبها بين يديها، تشدها إلى صدرها بفخر. لها الحق في ذلك. تبدو ملامح وجهها قاسية. فقط حين تنتظرها صديقتها، عندما تصل إلى نهاية خط سير «الفان»، قرب مدخل الجامعة، لها فقط، تبتسم.

يصعد معه عمال أيضا. يعرفهم من وجوههم الهادئة المنهكة. يعرفهم من تعبهم الصامت ولونهم الأسمر الذي يختلف عن سمرة البحر. لون أسمر يستطيع أن يميزه بسهولة عن أسمر وجوه العابرين قربه بسياراتهم الخاصة. يحلم أحيانا بأن يمتلك واحدة مثلها. يتخيّل نفسه وهو يقود سيارة كبيرة، رباعية الدفع، كهذه التي تتجاوزه الآن مسرعة. لكنه لن يحلم كثيرا، فهو لم يركب واحدة مثلها يوما.
يخفض من سرعته، كما اعتاد أن يفعل كلما لمح أشخاصا يقفون على الرصيف. لكنهم يرفعون أيديهم ملوحين له بإشارات تفيد بأنهم لا يريدون الصعود.

فجأة، انتبه إلى أنه لا يلاحظ من بين كل تفاصيل المدينة سوى مصدر رزقه. يقود كل يوم بحثا عن الألف ليرة فحسب. هذا عمله. ذات يوم، طلب منه أحد الركاب أن يدير الراديو على بعض الموسيقى. بحكم خبرته، قدّر السائق أن عمر الراكب لا يزيد عن ستة عشر عاما. كانت تبدو من بين شفتيه أسنان صفراء مكسورة. «إذا بتريد، صرلي من الفجر عم اشتغل حتى انكسر ضهري. ع بالي اسمع موسيقى أنا وراجع ع البيت».
كان يتجنّب، في العادة، تبادل الحديث مع الركاب. لكنه لسبب يجهله، بادر إلى سؤاله عن اسمه.
– «محمد، اسمي محمد».
ليسا وحدهما، بالطبع، من يحملان هذا الاسم.  

السابق
حزب الله وحربه الإستباقية ضد الخيار الشيعي
التالي
أخف طفلة في العالم تدخل المدرسة