الخيانة الإلكترونية.. إستسلام لـلذة الممنوع !!

غالباً ما تبدأ بلعبة أو مغامرة صغيرة، بيد أن نتائجها «الطائشة» وحواراتها «العابثة» تتخذ أشكالاً سيئة وأبعاداً كارثية تؤدي إلى مشاكل عائلية. هي الخيانة عبر الإنترنت التي تبدأ بمناكفات بسيطة، وتتحول إلى مشاكل عظمى تُترجم بالانفصال والطلاق وتفكّك الأسرة. فما هي إذاً الخيانة الرقمية، وكيف ينظر الدين والمجتمع إليها ؟

حاول الإنسان منذ القدم ابتكار وسائل اتصال فعّالة، تكون بمنزلة صلة الوصل بينه وبين الآخرين. وبدأ مشواره بإرسال بعثات لنقل الرسائل، أو إضرام النار على سفوح الجبال ليبلغ خبراً ما، أو بتدريب الحمام على نقل الرسائل، ولجأ اليائسون حتى إلى رَمي زجاجات مغلقة في البحر تحوي في داخلها رسائل، لعلها تصِل يوماً إلى أحدهم فيقرأها. واستمر هوس الإنسان في تطوير الاتصالات إلى أن اخترع الهاتف الذي كان وثبة عملاقة للبشرية في ذلك الوقت. وتوالت الاختراعات والتحديثات في عالم الاتصالات، إلى أن وصلت إلى المرحلة التي نعرفها الآن من ظهور للهواتف الجوالة الذكية، والكمبيوترات الثابتة والمحمولة واللوحية، والتلفزيونات الذكية، والمواقع الاجتماعية وبرامج الدردشة عن طريق الكتابة أو عبر الصوت والصورة، وكلها وسائل تؤمن الاتصال بمجرد وَصلها بشبكة الإنترنت. وهنا أصبحت خصوصية كل شخص مُستباحة في أيّ مكان وزمان.

فمع تقدم التكنولوجيا وتطور عالم الاتصالات، كان للخيانة الزوجية نصيب من هذا التطور. فقد كانت في السابق فرص إقامة علاقات خارج إطار الزواج تقتصر غالباً على الدائرة الاجتماعية المحيطة، كالأقارب والزملاء وأصدقاء الأسرة والجيران، ولكن اختلف الأمر حالياً، واتسعَت هذه الدائرة بفضل وسائل الاتصال والإنترنت وعبر الوسائط الإلكترونية، من هواتف وغيرها. علماً أنه من غير الضروري أن تكون الخيانة جسدية أو تلامسية مباشرة على المستوى الفيزيائي، إنما يمكن أن تكون خيالية أو تصويرية. وفي هذه الحالة يزني الشخص بقلبه وعقله، ويفقد أي شعور بالتقدير والاحترام لشريك حياته.

أما المظاهر التي يمكن من خلالها استنتاج إذا كان الشريك على علاقة بآخر أو لا، فهي كثيرة، نذكر منها: زيادة ساعات استخدام الإنترنت بشكل مفاجئ، مكوث الشريك ساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر، استخدامه الإنترنت في أوقات مشكوك فيها، الرغبة في الوحدة عند استخدام الشبكة، التمَلّك لعناوين بريد إلكترونية كثيرة، الاهتمام بالمظهر أكثر من قبل، وظهور ملامح التوتر إذا قررتِ الجلوس بجانبه أثناء عمله على الكمبيوتر.

والسؤال الذي يطرح نفسه مباشرة، هل إنّ إقامة علاقات وهمية حميمة أو صداقات متقدمة مع أشخاص من الجنس الآخر عبر الإنترنت تعتبر خيانة للحياة الزوجية؟ أم انها أمر طبيعي في عالم وهمي افتراضي يجب التأقلم معه؟

للإجابة عن هذا السؤال كان لا بد لـنا أن تناقشه من الجانب الديني، النفسي والقضائي، فكانت لنا هذه الأحاديث خاصة.

أوضحت الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية أنا ماريا ماروني أن «الدردشة الإلكترونية تنقسم إلى قسمين؛ القسم الأول: إذا كان الشخص الآخر على علم بها، عندئذ تتسِم الدردشة بالبراءة. والقسم الثاني: إذا لم يكن الشخص الآخر على دراية بها، ففي هذه الحالة يمكن أن تكون وراءها نيّة بالخيانة، فتُرفع عنها صفة البراءة».

كذلك شددت ماروني في حديثها على أهمية البُعد الذي وصلت إليه الدردشة، «فإذا وصلت إلى مراحل متقدمة، تُسمّى في علم النفس «هوامات» أو ما يعرف بالـ fantasme التي تستعمل الخيال للوصول إلى هدف ما، أو للحصول على لذة معينة. كما يمكن تشبيه هذه الخيانة بأخرى، إذا كان الشخص يمارس العلاقة الجنسية مع شريكه فيما يتخيّل شخصاً آخر». وعن مخاطر الدردشة الإلكترونية، أكّدت ماروني أنّ «الخطر الحقيقي لها يكمن في أنها تتطوّر ليتمّ اللقاء بين شخصين، إذ تخلق العلاقة عبر الشاشة نوعاً من الشوق إلى لقاء الآخر أو الشيء الذي لم يلمسه بعد».

ونبّهت ماروني إلى خطر الإنترنت الثاني الذي يكمن في «المقارنة بين الشريك والشخص الجديد الذي نراسله عبر الإنترنت، بغضّ النظر ما إذا كان الشخص الجديد يخبرنا بالحقيقة أو لا؛ فالشاشة تتيح لنا البوح بما نريد فقط أن نُخبره وإظهار ما نريد إظهاره».

وختمت حديثها مشدّدة على أن «الخيانة الإلكترونية هي خيانة معنوية، فكرية وهوامية، تبدأ بمجرد تسلية لتنقلب في اللاوعي أو بطريقة واعية أيضاً، إلى موضوع جدي وخطير».

وللدين أيضاً نظرته الخاصة في هذا الموضوع، ففي حديث إلى «الجمهورية» دانَ الأب فادي تابت الإنترنت وتأثيراته في الحياة الزوجية المشتركة، فأوضح أن «وسائل الإعلام والإنترنت، كما تكلّم عنها المجمع الفاتيكاني الثاني والبابا يوحنا بولس الثاني، هي سيف ذو حدين، إذ إنها قادرة على بناء مجتمعات وهدمها في الوقت عينه». كذلك شدد تابت على أن «الإنترنت بمختلف أشكاله وأنواعه، كالفيسبوك والتويتر وغيرهما، قادر على بناء عائلة وكفيل بهدمها أيضاً» ولم ينسَ الـ whatsapp والـ viber والـ tango، وهي وسائل الاتصال الحديثة التي ساهمت في تفكك الحياة الحياة العائلية، وخَلقَت حياة وهمية فقسّمت المجتمعات على صعيد العائلة والمنزل والمجتمع بأسره، «نلاحظ مثلاً أنه في منزل واحد يتألف من أربعة أشخاص لكنهم لا يتكلمون مع بعضهم بل ينشغلون بوسائل الاتصال الحديثة».

وأضاف تابت أنّه «عندما قال يسوع ذلك لم يكن يقصد الإنترنت، فهو لم يكن موجوداً حينها، بل قصد الملاقاة التي تطورت في أيامنا هذه وأصبحت تتمّ عبر الإنترنت ووسائل الإعلام، فازدادت بذلك الأخطاء التي يمكن أن يقع ضحيتها الإنسان». ولامَ الأب تابت الأمهات والآباء الذين يهملون أولادهم وعائلاتهم ويستغنون عن جلسة عائلية دافئة ليستخدموا الإنترنت، ويمضوا ساعات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية. وختم قائلاً إنّ «الخيانة الفكرية ممكن أن تتطور لتؤدي إلى خيانة جسدية أيضاً».

بدأ الشيخ بلال المللا حديثة بآية من القرآن الكريم ليؤكد على خطورة الاحتكاك بالآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقال: «أولاً يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن نساء النبي(صلعم)، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلنا قولاً معروفاً». مشدداً على أن الشرع «يمنع على الرجل أن يتكلم مع امرأة أجنبية بما ليس فيه ضرورة، والأمر ذاته ينطبق على المرأة أيضاً، تحاشياً للفتنة أو للدخول في المحظور». وأكد المللا أنّ «ما ينطبق على الكلام والتواصل المباشر بين الرجل والمرأة، ينطبق أيضاً على التواصل غير المباشر، فما يحصل على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والدردشة يكشف جوانب كبيرة عن أخلاق المتكلم وسلوكه وهويته، وهذا أمر ممنوع شرعاً في الدين الاسلامي، فالاحتكاك بالكلام يمكن أن يؤدي الى المحظور حيث ينزلق فيه الشخص الى المهالك إذ يعتقد نفسه أنه في خلوة داخل غرفة نومه ولا احد يعرف مع من يتواصل، في وقت يكون مكشوفاً على العالم كله وهو لا يدري، فيستسهِل التعارف مع الآخرين، ثم يقدّم كَماً من المعلومات عن نفسه أو من خلال ما يستنبط من كلامه، ويصبح أسيراً للطرف الآخر أو يقع في غرامه».  

السابق
ايران وسوريا ورقة ضغط على اوباما
التالي
قاووق: لبنان لا يتحمل تداعيات توريطه في اتون النار المشتعلة