لهـذه الأسـباب يفتـح حـزب اللـه ذراعيـه للبابـا

يتعاطى «حزب الله» مع زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للبنان، باعتباره معنياً بها، وليس مراقباً لها او متفرجاً عليها. الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله حرص شخصياً على الإشادة بالزيارة ودلالاتها، وصور البابا ولافتات الترحيب به انتشرت في الشوارع الرئيسية للضاحية الجنوبية، فيما سيحضر وفد من نواب الحزب اللقاء الموسع معه في قصر بعبدا، الى جانب المشاركة في القداس الذي سيقيمه الزائر الاستثنائي.

هذه الحفاوة في ملاقاة البابا ليست الأولى من نوعها، إذ سبق للحزب أن أحاط زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الى لبنان بالاهتمام والرعاية، بل إن الحزب كان مواكباً كذلك للنقاشات التمهيدية وأوراق العمل التي مهدت للسينودوس من أجل لبنان، وما أفضى إليه من إرشاد رسولي قبل 15 عاماً، بدا بمثابة خريطة طريق للمسيحيين نحو تثبيت حضورهم في أرضهم، والتفاعل مع محيطهم والانفتاح عليه وعلى قضاياه.
ولعل توقيت مجيء البابا الى هذا البلد المقيم على خط الزلازل الإقليمية، يمنح زيارته بُعداً استثنائياً وأهمية خاصة، ويجعل أنظار المسيحيين والمسلمين على حد سواء، شاخصة إليه. وإذا كان الزائر غير التقليدي لا يحمل بطبيعة الحال معجزات في جعبته، وهو قال ذلك صراحة، إلا أن الكثيرين يراهنون على ان يشكل حضوره حافزاً لمواجهة محاولات التفتيت وإثارة الفتن وتفريغ الشرق من مسيحييه واستدراج مسلميه الى التقاتل العبثي.

أما «حزب الله»، فإنه يضع احتضانه لزيارة البابا في سياق حرصه على حماية التعددية والتنوع في هذه المنطقة التي تواجه منطقاً أحادياً مدمراً، يتجلى تارة في السياسة الاميركية التي تسعى الى الهيمنة وفرض إرادتها على العالم العربي، ويتبدى طوراً بالفكر التكفيري الإلغائي الذي يرفض الآخر ويحاول شطبه من الوجود لمجرد الاختلاف في الرأي او الانتماء، وفي الحالتين، يدفع المسيحيون ثمناً كبيراً، كما يتضح من موجات الهجرة التي تجتاح مجتمعاتهم.

ويعتبر «حزب الله» أن من صلب أولوياته الاساسية الحفاظ على وجود المسيحيين في الشرق وتكريس دورهم كشركاء متساوين في الحقوق والواجبات مع المكونات الأخرى، منطلقاً من أن العيش المشترك ليس طرحاً سياسياً ووطنياً فقط، بل هو يختزن عمقاً دينياً أيضاً، ذلك ان الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولكنه أراد ان يكون الاختلاف، من دون أن يوكل الى أحد في هذه الدنيا مهمة حسمه.
ويرى الحزب ان هناك تقاطعاً جوهرياً بينه وبين الفاتيكان، حول رفض السياسات الاميركية المتبعة، التي تُعد واحدة من أبرز مصادر التهديد للوجود المسيحي في الشرق.
وتفيد معلومات الحزب أن دوائر الفاتيكان اطلعت على وثائق تكشف عن مخطط لإعادة رسم الخريطة السياسية والجغرافية للشرق الاوسط، حيث تبين أن المسيحيين سيدفعون الكلفة الكبرى لعملية الضم والفرز (سايكس بيكو الجديد) التي يراد لها ان تفتت الكيانات القائمة الى دويلات ومجموعات متناحرة.

وعليه، يعتقد الحزب أن الناتج الإجمالي للتوجهات الفاتيكانية يصب في خانة التلاقي مع خياراته الاستراتيجية، على المستويات الآتية:
– الإصرار على التعددية والتنوع في مقابل فكرة الدولة اليهودية الصافية القائمة على الأحادية.
– تثبيت ما تبقى من حضور مسيحي في فلسطين، والدفاع عن الهوية الإسلامية والمسيحية للقدس في مواجهة مخطط تهويدها.
– التمسك بالعيش المشترك رداً على مشاريع الفتنة والتقسيم، والتيارات المتطرفة الإقصائية.
– التحذير من مخاطر الاستراتيجية الأميركية على الحضور المسيحي في العالم العربي، حيث أظهرت التجربة الحسية ان واشنطن ومعها مواقع غربية نافذة، لا تقيم وزناً او اعتباراً لهذا الحضور، متى كان الأمر يتعلق بمصالحها الحيوية.

وإذا كان البعض يعتبر ان ما نشأ بين «حزب الله» وبعض المسيحيين في لبنان، يندرج في سياق «تحالف الأقليات»، فإن الحزب يهزأ من اتهامه بالانخراط في تحالف من هذا النوع، مستعيداً محطات في تجربته تثبت انه كان في مقدمة المتصدين للمنطق الأقلوي، كما حصل بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، حين راح البعض في لبنان يُنظّر لتحالف الأقليات، ملتقياً بذلك مع الطرح الإسرائيلي، فظهرت المقاومة ووجهت ضربات متلاحقة الى هذا المشروع.

ويؤكد «حزب الله» أنه من أشد الرافضين لثقافة الأقليات، ولا يمكن له ان يغذيها، معتبراً أن غيرنا هو الذي انخرط في هذه الثقافة وروّج لها. ويشير الى أن رؤيته معاكسة تماماً لما يُتهم به، مشدداً على أنه ينحاز الى جانب خيار الأمة الذي يتسع للجميع على قاعدة الاحترام المتبادل ومقاومة الاحتلال والتدخل الأجنبي، اما المنطق الطائفي والمذهبي فهو «ضيق المقاس».
ويتوقف الحزب عند مفارقة معبرة، ملاحظاً أن هناك من ينسب «أبوة» مقولة حلف الأقليات إلى «حزب الله» والنظام السوري، في حين انهما كانا رأس حربة في معركة ضرب المروجين الحقيقيين لهذه البضاعة، وذلك عندما ساهما بقوة في تعطيل مفاعيل اجتياح العام 1982، الذي كان في أحد جوانبه يعبر عن ذهنية حلف الأقليات، المرتبط عضوياً بإسرائيل.
  

السابق
هل يحتاج المسلمون إلى ثورة ثقافية؟
التالي
موسكو تبحث عن الحل.. الشرع قائداً للمرحلة الانتقالية !؟