نحن وإسرائيل اليوم

نعيش اليوم مرحلة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي بمعطيات مختلفة عن السابق. وضع دولي يجمع على حماية الكيان الصهيوني ويدعو الشعب الفلسطيني إلى النضال السلمي من أجل حقوقه الوطنية. وضع عربي رسمي يجمع على استبعاد انخراط الجيوش العربية في حرب تحرير ويسلم بوجود إسرائيل ويدعم الشعب الفلسطيني (رمزياً؟) في نضاله من أجل الدولتين وتحديداً إقامة دولة فلسطين على الأراضي المحتلة في حزيران 1967. شعب فلسطيني تحول إلى أربع كتل بشرية غير مترابطة ولا تدير شؤونها قيادة وطنية واحدة، في الضفة الغربية، في غزة، في أراضي 1948، وفي الشتات. يواجه الفلسطينيون لوحدهم مشروعاً إسرائيلياً قوامه إعطاؤهم إدارة ذاتية موسعة على الضفة والقطاع بعد تغيير خارطة الضفة وضم أجزاء مهمة منها بالاستيطان والجدار وضم القدس، وبرفض حق العودة، وبترتيبات أمنية واقتصادية تجعل السيادة الفعلية على الكيان الفلسطيني تحت سلطة إسرائيل. عملياً لا حرب عربية إسرائيلية، لا مقاومة مسلحة منظمة ذات إستراتيجية «فدائية» أو ما كان يسمّى «حرب التــحرير الشعبية»، ولا أفــق لنشوء قاعدة خلفية آمنة ينطلق منها العمل المسلح بما في ذلك «غزّة».
في المنظور العربي عموماً هناك اقتناع بأن إسرائيل جزء من منظومة توازنات وعلاقات دولية، وهي كيان لا يمكن إزالته بل يمكن احتواؤه وتبديل وظيفته ودوره في مسار تاريخي له شرطان، تغيير الواقع الدولي وتقدم المجتمعات العربية الاقتصادي والاجتماعي وتكريس استقلالها بمواردها وقرارها. وفي منظور الشعب الفلسطيني انتهت تجربة تثوير الأوضاع العربية واستقطابها من خلال الصراع مع إسرائيل، وانتهت عملية الرهان على جبهة خلفية حامية للنضال الفلسطيني المسلح، وفي المدى المنظور هناك برنامج وحيد وطني فلسطيني مستقل لتطوير كيان غزة المحرر والضفة تحت اتفاقات أوسلو.
يحكم جوار فلسطين اليوم واقع دولي معروف، اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، اتفاقية وادي عربة مع الأردن، اتفاقية فك اشتباك القوات في الجولان، القرار 1701 في جنوب لبنان، واتفاقية أوسلو مع القيادة الفلسطينية.
هذا هو «مأزق» النضال الوطني الفلسطيني ومشكلة الدور العربي في مواجهة إسرائيل بوصفها قاعدة متقدمة للغرب الإمبريالي وأداة كابحة لمشاريع التحرر والتقدم العربيين.
شكلت الثورة الإسلامية في إيران سنداً مهماً للعرب في مواجهة التفلّت الإسرائيلي السابق حيث كانت قادرة على العبث بأمن المنطقة وممارسة دور البوليس أو البلطجي الإقليمي. لكن هذا الدور الإيراني له وجهان: الأول هو خلق توازن إقليمي كابح للهيمنة الإسرائيلية، والثاني هو أخذ موقع نفوذ في المجال العربي وعلى حساب جزء من مصالح الدول العربية. وإذا كان ذلك أمر طبيعي في سياسة أي دولة وطبيعي أكــثر في ظل الفــراغ العربي، فـهو يصبح أكثر سلبية حين يشق العالم العربي حول صراع مذهبي وأقوامي ويشلّ إمكانية تعاون إقليمي يضع حداً لطموح إسرائيل والغرب واندراجهما في معادلة الصراع هذه.
في الواقع العملي هناك صراع عربي إسرائيلي بات يتمحور حول قضية الشعب الفلسطيني وحده، وهناك صراع عربي إيراني يخترق دولاً عربية عدة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج العربي كله. ونكاد لا نجد من هذا الصراع الإيراني الإسرائيلي إلا هذا الوجه التنافسي على النفوذ في المدى العربي. وبكلام أكثر فجاجة لا نجد ان إيران قادرة على تخليصنا من إسرائيل أو تدميرها، إلا إذا كان هذا في سياق حرب عالمية ستدفع ثمنها المنطقة العربية كارثة محققة، ولا «الشيعة العرب» في أي موقع ومكان ينوبون عن الأمة كلها في عبء المواجهة والتحرير. أما ان المعركة الراهنة خاصة تلك التي تدور رحاها في سوريا وعلى سوريا معركة التعددية القطبية الدولية والتوازن الإقليمي فهي نموذج صارخ على استنزاف العرب بشكل أساسي من دون مردود فعلي لقضاياهم الوطنية والإنسانية.
في ظل التعددية القطبية السابقة، وفي ظل صعود قوى التحرر في العالم، وفي ظل نظام عربي أكثر تماسكاً وقوة، لم ننجز تحرير فلسطين بواسطة حروب الجيوش وصراعات الدول. كانت هناك ثغرة عربية قاتلة هي النفس المحدود للدول في الحروب السابقة وتجويف المواجهات عبر إمساك الإمبريالية بموارد المنطقة وعجزنا عن تشكيل جبهة ضاغطة قوية على مصالح الغرب في مواجهة مصالحه مع إسرائيل. ونعتقد ان لا شيء تغير إيجاباً الآن مع إمساك الغرب بمعظم موارد المنطقة وقرارها. في ضوء هذه المطالعة تترتب أولويات جديدة لجدول أعمال الشعوب العربية ودولها وللحركات السياسية ولقوى المقاومة في لبنان وفلسطين. هناك أولوية مطلقة للحفاظ على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني والعمل على توحيد رؤيته وطاقاته حول الثوابت في الحقوق والمشاركة في العمل والقرار. وهناك أولوية لدعم وتعزيز كيانه السياسي والاجتماعي في الضفة والقطاع ومساعدته على تنظيم صفوفه في أراضي 1948 وفي الشتات.
هناك أهمية بالغة لإعادة الاعتبار في التوجه العربي الشعبي والرسمي لمسألة الصراع مع إسرائيل بوصفه صراعاً من أجل التحرر الوطني والقومي من الإمبريالية ومن مواقع نفوذها الاقتصادي والسياسي والأمني. وهناك جهد يجب أن يبذل في المدى الدولي لإحياء حركة التضامن مع الحقوق العربية، وفي المدى الإقليمي لتصحيح العلاقات بين العرب وإيران وتركيا وإقامتها على قواعد الأخوة والتعاون وحل المشكلات الداخلية للشعوب العربية المرتبطة بأزمة العلاقات الطائفية والمذهبية وتكوين السلطة. ومن نافل القول إن هذا يشكل إستراتيجية قومية للأمن القومي العربي ويتضمن تطوير التعاون بين العرب على المستوى السياسي وعلى المستوى الدفاعي. ومن الشروط الضرورية لذلك هي الحوار العربي العربي وتجميع الطاقات واستخدام عناصر القوة المتوفرة لانتزاع موقع مؤثر في العلاقات الدولية. إنها أفكار لإطار البحث في مستقبل قضية الشعب الفلسطيني والخروج من المأزق الفلسطيني والعربي.  

السابق
الشرق الأوسط: بري أشاد بدعوة خادم الحرمين إلى الحوار بين المذاهب الإسلامية
التالي
ما سر صمود حكومة ميقاتي رغم هجمات الخصوم