الرافعة الإيرانية

يطلّ صاحب السلطة السورية في السياق الذي اعتاد عليه منذ انفجار الثورة ضدّه، أي بعد حصول تطوّر سلبي إضافي واستثنائي أكثر من كون ما يحصل عنده منذ 17 شهراً مدمّراً له من حيث المبدأ وفي الإجمال.
كانت الرافعة الروسية تتولى إيقاف الاسد على قدميه كلما تعرّض لكسر إضافي فيهما. وكان سيرغي لافروف (أين هو؟) الفاعل الأبرز في حمل تلك الرافعة. ووصل به الأمر إلى حد تحوّله إلى ناطق إعلامي يتمّم ويُكمّل ويُصحّح ما يقوله جهاد المقدسي في دمشق، عدا كونه مخوّلاً تبليغ العالم موقفه وموقف قيادته في موسكو من المستجد السوري بكل تفاصيله.

بعد كل مجزرة، وازاء أي خطوة اقليمية دولية. وبعد كل أداء متقدّم للمعارضة، وعشية أي اجتماع لمجلس الأمن للبحث في كيفية تخليص سوريا وأهلها من الكابوس الجاثم عليهما، كان صوت لافروف حاضراً ناضراً زاخماً مزمجراً وملعلعاً دفاعاً عن الحاكم الدمشقي وارتكاباته.. اليوم هناك مستجد لافت: تراجع ذلك الأداء علناً إلى حدود بعيدة، وحَضَر بدلاً منه رديفه الإيراني.

زيارة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي لسوريا قبل أيام، والكلام الكبير الذي قاله منها عن الأمن المترابط، بعد ساعات قليلة على مجزرة داريا، كانا مؤشراً إلى حلول الرافعة الإيرانية محل الرافعة الروسية ولو إلى حين.. بعد الزيارة، صعّدت الآلة العسكرية والأمنية من وتائر القتل والتدمير. و"ظهر" الاسد على "شاشة داريا" موحياً بأنّه حاضر، وصنو ستالين في هدوئه، لكن من دون غليون هذا الأخير وابتسامته "الأبوية" الآسرة، رغم أنّه من هو: أرفع السفّاحين مقاماً في التاريخ، وأكثرهم إبداعاً في الفتك والقتل والغدر!

الظهور التلفزيوني بدا تنفيذاً لتعليمة إيرانية. وترجمة لقرار بتصعيد الهجوم المعاكس، بالنار والإعلام في سوريا، وبالسياسة في لبنان. حيث دبّت الحمية فجأة في أوصال أهل التحالف الانقلابي وأُعيد وصل ما انقطع حكومياً. وبدأ البحث مجدّداً عن روابط تأكيد المصير الواحد. وفي المقابل، هَمَدَ فجأة كما بدأ، الوضع الميداني في طرابلس، باعتبار أنّ سوريا اليوم هي "ساحة المواجهة الإيرانية مع الأميركيين" وليس لبنان، فهذا له "رِفعة" الأمس وتوعّد الغد. أمّا راهناً فجبهة واحدة تكفي!
غير أنّ ما أرادته وتريده الرافعة الإيرانية شيء، وحقائق الوضع السوري شيء آخر: القتال مستمر في قلب دمشق. وعلى وقع دويّه حكى الأسد باللغة الكلسية ذاتها وبالنكران ذاته. وبدلاً من أن يؤكّد "حضوره"، ترك انطباعاً لا تخطئه عين ولا أذن، من أنّه صار حطاماً لكن بربطة عنق بدائية، وياقة قميص "مجعلكة"، وشعر مشذّب على طريقة صبيان المدارس الابتدائية، وعيون زائغة، ورنّة صوت مكسور في أعمق أوتاره!.. لم ينجح "العطار" الإيراني في إصلاح ما "خرّبته" ثورة الأحرار السوريين، ولن يُفلح شيء في هذه الدنيا بعد اليوم، في إقناع أي كان، بأنّ سلطة الأسد باقية حيث هي.
  

السابق
البزري: نرفض إستخدام صيدا لتهديد أمنها الأهلي والسياسي
التالي
علي: المطالبون برحيلي محبَطون