إيران بين الإنحياز والإنحياز!

تفخر ايران ان الذين سيحضرون مؤتمر قمة عدم الانحياز عندها بلغ عددهم حتى الآن مائة وعشرين دولة، وبين هؤلاء ثلاثون رئيساً لدول اسلامية.
وفي ظروف كظروف ايران الواقعة تحت حصار شديد واستنزاف أشد، يُعتبر ذلك انجازاً يمكن استخدامه في صراعها مع الولايات المتحدة من اجل ملفها النووي. ومن المعروف ان اميركا واسرائيل حاولتا ثني كثير من الدول عن الحضور الى طهران، بسبب مخالفتها للقانون الدولي في المسألة النووية، وما استجابت اكثر تلك الدول للتحذيرات الاميركية، وكأنها ارادت التعبير عن معارضتها للحرب على ايران بسبب النووي، وسواء اجاءت تلك الحرب من اميركا او اسرائيل.

لكن القيادة السياسية للجمهورية الاسلامية، أخطأت – كعادتها في السنوات العشر الماضية – في فهم هذا الامر، واعتبرت ان المؤتمر ينبغي ان يُسخر كلاً او بعضاً لانقاذ النظام السوري (!). انظروا هذا المؤتمر الجليل، وهذا الهدف المستنكر، فعندما كان مؤسسو عدم الانحياز من مثل ندو وسوكارنو وعبد الناصر وشوان لاي ونكروما، يجتمعون بالقاهرة او بالهند او بإندونيسيا يكون اول همّهم دعم البلدان التي ما تزال تحت سيطرة الاستعمار. ففي العام 1962 وعندما كان المؤتمرون يحتفلون بالاتفاق على استقلال الجزائر، كانوا يفكّرون في طريقة لمساعدة لومومبا في الكونغو، لأن البلجيكيين قتلوا تسعة من المناضلين معه، وهم يرفضون الخروج من مناطق الثروات المعدنية. وأمس واليوم وغداً قتل النظام الاستعماري والاستيطاني السوري خمسة وعشرين الفاً من مواطنيه، ونشر الخراب بالأسلحة الثقيلة والطائرات في المدن والقرى(!). ثم تأتي طهران حاضنة عدم الانحياز الذي كان يعني التحرر والحريات وحقوق الانسان والمواطن في وجه القمع الاستعماري، تأتي لتقول ان تحالفها مع النظام السوري هو تحالف فولاذي، وإن أمن آل الأسد من أمن إيران! ومن الذي يُهدد آل الأسد؟ طهران تقول: الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن نظام المقاومة الاسدي ما هاجم إسرائيل ولا رد على مؤامراتها، بل قتل مئات خلال اسبوع في داريا ودرعا والحراك. وقتل أربعة آلاف خلال شهر آب الذي لم ينته بعد. فكيف تكون المشكلة بين الأسد وأميركا، إذا كان المقتولون من خصوم الأسد كلهم من المدنيين العزّل من ابناء الشعب السوري؟!.

عبثاً تحاول طهران الدفاع عن موقفها، فهو موقف تنقصه النزاهة والشرف، وينقصه التطلع إلى المستقبل، فالنخبة الحاكمة بطهران ارتبطت مصالحها بهذه الطغمة الفاسدة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وهي النخبة من رجال السلاح والأعمال، والذين ساعدتهم إيران (والولايات المتحدة) في الوصول للسلطة بالمشرق العربي، وهم يعيثون في الأرض فساداً منذ سنوات بدعم من إيران، في حين انسحبت الولايات المتحدة بخبث، وعادت رائدة للديمقراطية والحريات!.

لقد كان على العرب جميعاً مقاطعة مؤتمر عدم الانحياز بطهران أو عدم حضور المستويات العليا فيه. أما وهم (أو بعضهم) يعتزمون الحضور، فلا أقل من أن يقولوا علناً لطهران إن موقفها غير مقبول، وإن الأسد ينبغي أن يزول! لقد أفسد صدام حسين العلاقات العربية – الإيرانية لعقود بحربه على إيران، وها هي ايران تدمر العلاقات مع العرب إلى الأبد بالإقبال بنفسها ومع الأسد والمالكي وحزب الله، على قتل العرب المدنيين الأبرياء، الذين كانوا معها في حرب صدّام عليها، وهم معها اليوم في صراعها مع أميركا وإسرائيل!.

إن إيران منحازة ضد السوريين والعرب، ومشاركة في سفك دمائهم، ولن ننسى لها ذلك سواء استمر نجاد في عدائه اللفظي لإسرائيل أو سكت عنها. ألم يسمع العرب جميعاً الرئيس نجاد يقول: إن السيد المهدي المنتظر يقاتل مع بشار الأسد؟! فلماذا هذا الحقد، ولماذا هذا التردي؟! فاللهم أعذنا من هول المطلع، وسوء المنقلب، وسواء الخواتيم!.
  

السابق
الطائفية والثورة السورية
التالي
فتاة من رام الله تزاحم الرجال في سباق السيارات