القمّة الإسلامية: الدعوة والمسؤولية

دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز لقمة إسلامية استثنائية بمكة، ليست أمراً جديداً على السعودية، فمنذ حوالى العشرين عاماً، فقدت الدول العربية الكبرى والوسطى القدرة على المبادرة والتأثير وما بقي غير المملكة العربية السعودية، وقد نافستها في السنوات الأخيرة قطر، ثم ها هما تتعاونان في سائر الملفات. ما خرجت مصر من مكانة وموقع المبادرة بسبب كامب ديفيد، وإنما من اختيارها أيام الرئيس حسني مبارك سياسة الانكفاء، باعتبار ذلك يحفظ أمنها واستقرارها بالداخل، ويجنّبها الاعتداء على مصالحها من الخارج لأنها لا تُضرّ أحداً(!). بيد أن هذا الاعتقاد ما حفظها مصالحَ ولا مكانة، وجرّأ عليها الجميع بما في ذلك دول منابع النيل، وحماس والجهاديين بغزة، وتنظيم القاعدة. وما حدث بعد الثورة ما يُشعر بتغيّر الأمور، وربما لن نعرف شيئاً عن «سياسات جديدة» قبل سنتين أوثلاثاً.

وما حدث لمصر حدث للعراق ولكن بالقوة وليس باختيار الانكفاء. فأضعف أولاً بالحرب مع إيران، ثم حوصر بعد غزو الكويت، ثم غُزي عام 2003، وما قامت له قائمة حتى الآن، ولا استجدّ له موقع أو مكانة، بل إن مكوناته (والتعبير للعراقيين) التمس كلٌ منها حامياً من الخارج: الشيعة في طهران، والسنّة في تركيا وعرب الخليج، والأكراد في أميركا وغيرها.
وقد بدا لأول وهلة أن سورية أيام الرئيس حافظ الأسد، إنما ورثت دور العراق بالمنطقة. وقد تعاملت معها السعودية في التسعينات من القرن الماضي باعتبارها شريكاً. بيد أن نظام «تحالف الأقليات»، ومبادلة البقاء في السلطة بالهدوء على الجبهة مع إسرائيل، وارتهان الأمن في لبنان والأردن والعراق، كل ذلك حدّ من صدقية النظام وجديته، وجعله قادراً على المساومة والابتزاز فحسب وليس أكثر، ولذا ما عاد هناك حديث عن فكرة أو مبادرة إيجابية في ملء الفراغ أو الخواء الاستراتيجي، وصارت العمدة على «المقاومة» التي تقودها إيران وتتصدّق على سوريا ببعض ثمراتها الحلوة والمرّة.

منذ العام 2002 في العقد الماضي، حين طرحت السعودية المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت العربية، وإلى عشرات المبادرات الأخرى في المجالات العربية والإسلامية والدولية، كان هذا الإدراك السعودي لضرورات القيام بأعمال جبارة لتعويض القصور والغياب والفراغ، وللتصدي للمشكلات المتفاقمة. وما كانت المشكلات سهلة، وبخاصة انه ما عاد أحد يعتبر نفسه مسؤولاً غير الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وقد وصل الأمر بأهل الجمهوريات الوراثية الخالدة، أن يشتموا إذا لم تحقق هذه المبادرة أو تلك من مبادرات المملكة الأهداف المرجوة! بيد انه ما كان هناك شخص أو نظام استثمرت فيه المملكة العربية السعودية، كما استثمرت ببشار الأسد ونظامه. وكان التفكير على هذا النحو علته عدّة أمور: ضرورة المحافظة على الاستقرار في سوريا ولبنان والأردن والعراق، وهي بلدان اساسية ولا يهدد استقرارها غير النظام السوري – ضرورة الاستيعاب حتى لا تتحول سوريا الى مخلب قط بيد ايران – ضرورة استحداث توازن في وجه الغزو الأميركي للعراق، ووصول اليمين المتطرف الى السلطة باسرائيل – وضرورة التفكير بشكل مشترك بشأن اجلاء الاسرائيليين عن الاراضي العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. بيد أن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق بالتعاون مع سوريا، ليس لأن الاسد عاجز، بل لأنه لا يريد الحرية ولا الاستقرار للشعوب العربية، ولأنه يعتقد انه يستطيع بتدخلاته وعلائقه بإيران، ان يبتز ويهدّد ويساوم السعودية وأميركا وإسرائيل وكل على حدة!.

وهكذا وعلى مشارف القمة الإسلامية ويوم انعقادها، يتبين لنا أن سوريا التي ثار الشعب فيها على الأسد ونظامه، هي الأكثر معاناة وحساسية، وينبغي أن يزول الاسد ونظامه، ليس ليرتاح الشعب السوري وحسب، بل وليرتاح كل العرب بالمشرق والمغرب!.
والموضوع الثاني هو الموضوع الفلسطيني، وهو مندرج على ملفات القمم العربية والإسلامية منذ الستينات. بل إن الاعتداء على الأقصى عام 1968 كان سبب قيام منظمة المؤتمر الإسلامي (صار اسمها قبل عام منظمة التعاون الإسلامي). وإذ كان على المسؤولين المسلمين ان يحددوا موقفاً واضحاً من مهرجانات القتل الأسدي – الايراني بسوريا، فسيكون عليهم أيضاً وضع خارطة طريق خاصة بالعرب والمسلمين للانتهاء من المشكل الفلسطيني الذي يتفاقم بالاستيطان والقمع والقتل، ويتفاقم بالانقسام الذي قادته حماس بالتعاون مع إيران ونظام الأسد في الاستيلاء على قطاع غزة عام 2007.

والموضوع الثالث هو مشكلات الفوضى والحروب وغياب الدولة وبقاء التطرف في الصومال ومالي، وفي بورما حيث يُضطهد المسلمون.

والموضوع الرابع مكافحة الإرهاب سواء أكان باسم الدين، أو باسم الجريمة بدون تغطية.

إنها قمّة استثنائية إسلامية، سوف تتلوها ولا شك قمّة استثنائية عربية بعد سقوط النظام السوري، لإعلان انتهاء الخواء الاستراتيجي، والإعلان عن حملة إعمار وتنمية في سائر أنحاء بلدان الربيع العربي.
إنها قمّة المسؤولية التي تسلّم الملك عبد الله بن عبد العزيز زمامها في أقسى الظروف وما يزال.  

السابق
معركة سوريا: عنزة ولَوّ طارت!
التالي
حرب سوريا في رهانات اللاعبين