هنا يتحدثون وهناك يعملون

ترفض المسألة الايرانية منذ فترة طويلة الزوال عن برنامج العمل في اسرائيل. وهكذا فانه برغم العمليات الارهابية في بلغاريا وفي شبه جزيرة سيناء، وبرغم النار المشتعلة في سوريا بل برغم الاحتجاج الاجتماعي في اسرائيل الذي يرفض ان يذوي برغم كل ذلك تعود القضية الذرية الايرانية وتفرض نفسها على الخطاب العام لدينا. كان ذلك مرة بسبب تصريح من مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى سابق، وفي الحاضر بسبب تأييد هجوم اسرائيلي على ايران أو اعتراض عليه، وكان ذلك مرة بسبب تسريب نبأ منسوب الى مسؤول امريكي رفيع المستوى مجهول الاسم يعظ اسرائيل بما يحسن بها فعله لمواجهة تهديد أمنها وبسبب تصريحات متحمسة أكثر من مرة تنبع على الأكثر من الخوف والشعور بالضيق لجنرال ايراني يهدد بحرب يأجوج ومأجوج في منطقتنا اذا هوجم بلده. كل هذا ينذر بشيء واحد وهو ان ساعة ايران الرملية أخذت تنفد.
لكن برغم الانشغال العلني الطاغي وهو في جزئه الأكبر لا حاجة اليه ومضر، من اسرائيل بالمسألة الايرانية، تتابع طهران عملها. والحقيقة ان الذي يشغل الجمهور في ايران بالأساس الازمة الاقتصادية الشديدة التي هي ثمرة العقوبات الدولية الشديدة التي فرضت على الدولة في الاشهر الاخيرة.
ان النقص من المنتوجات الأساسية وغلاء المعيشة والصعاب التي يُشعر بها شعورا خاصا في خلال شهر رمضان لا تزيد النظام الايراني شعبية، لكن لا يبدو أنها كافية لضعضعة استقراره أو حرفه عن مساره.
من سخرية القدر ان ايران التي كان شبابها أول من خرجوا الى الشوارع في حزيران 2009 احتجاجا على سلطة آيات الله القمعية، ان ايران هذه خاصة بقيت تراقب متنحية ومن بعيد في الأساس الربيع العربي الذي ينتشر في كل اتجاه، لكنه لم يجتز حدودها الى الآن. ونقول باختصار ان من ينتظر تغيير السلطة في ايران، وهذا التغيير سيأتي لا شك في يوم من الايام، سيضطر الى ان ينتظر زمنا طويلا بعد.
وفي الاثناء لا تحجم ايران عن مد يدها الى ساحات عمل بعيدة، فرجالها مشاركون في عمليات ارهابية في أنحاء العالم موجهة على أهداف اسرائيلية، وتقوم طهران في سوريا مثل سور حصين وراء سلطة بشار الاسد المتضعضعة. وما تزال ايران ايضا تنفق على مشروعيها الكبيرين، حزب الله في لبنان وحماس في غزة.
يدل هذا النشاط الايراني على ان ايران لا تشعر بالسيف الحاد الموضوع على عنقها، وأنها تملك القوة والطاقات لا للاستعداد لدفع هجوم امريكي أو غربي فقط بل لاظهار سياسة فعالة مُدبرة في أنحاء العالم بل على حدود اسرائيل.
يبدو ان ايران لم تقتنع الى الآن بأن المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة سيفعل كل ما يستطيع لوقف المشروع الذري الايراني. وينبغي ان نفترض ان أصداء الجدل العام الذي يهيج في اسرائيل تثير في ايران شكوكا في تصميم اسرائيل في هذه المسألة. يجب ترك البحث في ايقاع التقدم الايراني نحو القنبلة الذرية، للخبراء. لكن من الواضح ان البحث النظري في سنة 2003 أو الجدل المدروس في سنة 2008 يصبحان كلما مر الوقت أمرا واقعا لا يمكن التهرب منه، سواء كان الحديث عن اسابيع أو أشهر.
حان الآن وقت ان نفعل كل شيء لتجنيد المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة لآخر جهد قبل ان يصبح متأخرا جدا من اجل وقف الايرانيين وإلا فستبقى اسرائيل مع الحاجة الى الاختيار بين هجوم والتسليم لايران الذرية وهما امكانان غير لطيفين بصورة مميزة.  

السابق
عن أي رمضان نتكلم..؟
التالي
أمين الجميل: لن نقبل بالضغط على القضاء ونتشاور لإصدار قانون انتخاب بديل عن الذي أقرته الحكومة