عن أي رمضان نتكلم..؟

بدأ شهر رمضان هذا العام، محملاً باللهب، وقدرة الصبر على الصوم والحرّ تتضاءل عاما بعد عام، ناهيك عن شحنات التوتر والغضب الموجودة في الشارع، فهل نبقى في المنازل هذا الشهر؟
عن أي رمضان نتكلم؟
تعلو اليافطات المرحبة في الشوارع، الزينة تلف الجدران والبيوت، الطرقات منارة بأضواء الهلال المتنقل كل يوم، الناس في حركة ليلية، على السطوح والشرفات وفي الشوارع، يستجدون نفحة نسيم، تبرد نار قلوبهم، والكهرباء حلم جميل يوقظهم ما قبل السحور.

عن أي رمضان نتكلم؟
المهرجانات، الموشحات، الإستعراضات، الخيم الرمضانية، المطاعم، المقاهي، كلها بإنتظار شهر الخير، فتحت ذراعيها مستقبلة، لونت وجهها بكل مساحيق التبرج، بذلت كل ما في وسعها لتكون لائقة بقدومه ولكن، من سيزور صيدا، وخيم الأسير تنشر رعبها السلمي، والمظاهرات المضادة تنتظر زلة لسان، لبزغرد الرصاص.
البحر والكورنيش سيكونان وحيدين، الخيم المتراصة والمتلاصقة لن تعلن السهر إلى طلوع الفجر، الدخان المتصاعد من النراجيل فقد غمامته، مطاعم الذوات لن يأتيها من دون الذوات، كل ما في صيدا ينذر بالموت البطيء، هل سيعيد إليها رمضان بريقا قد فاتها؟.

عن أي رمضان نتكلم؟
عن شوارع بيروت، وزحمة السير، وأبواق السيارات المرتفعة، وكل أنواع التلوث البصري والسمعي والحسيّ، عن بسطات الحلويات المنتشرة بين الغبار والدخان، عن سفرة رمضانية تبدأ بالهمبرغر وتنتهي بالفاهيتا والأسكلوب، وتغيب عنها " الزغلولية" وكبة الحمص، وأكلات الجدود.

عن أي رمضان نتكلم؟
عن إيزل ومراد و مهند، وكل أبطال المسلسلات التركية في وقت كان أهالي بيروت يسمون أبناءهم الذكور بأسماء الشهور الكريمة: رجب، شعبان، رمضان، محرم و ربيع.

عن أي رمضان نتكلم؟
عن خيم فنية تسهر حتى الصباح براقصات تلوي خصورهن وعيون الحاضرين معا، في وقت إختفت المدائح الدينية التي كانت تنشدها الفرق الدمشقية والحلبية والمصرية التي تحضر إلى بيروت خصيصاً في هذا الشهر.
عن أي رمضان نتكلم؟
عن مسحراتي زمان يتجول بالموتسيكل ليوقظ النائمين ويأتي قبل العيد ليأخذ العيدية من كل البيوت التي أيقظها ضجيجه، أو عن نشيد ثوري يعلو مع أنغام فرقة كشفية تدور في الحارات، أم عن حارات تغرق نائمة في سباتها فالمسحر إنقرض من قواميسها، وأضحت الطبلة والعصا والجلباب والقنباز والطربوش، من الماضي.

عن أي رمضان نتكلم؟
عن طرابلس، وهل أجمل من طرابلس في شهر الخير، وهل أشهى من إفطار تتربع فيه سمكة طازجة من المينا، وهل أشهى من سحور الحلاّب، وهل أفضل من كزدورة في الأسواق القديمة، أو رحلة بحرية ننتظر فيها الغروب و الآذان؟ وهل أرقى من توشيحة أندلسية تمجد إسم الله، هل أجمل من عادات الطرابلسيين في إستقبال شهر الخير، من فرقة الفيحاء تجوب الشوارع، وتغني" طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة" أو عن مدفع الإفطار في القلعة، عن محال العطارة، وبسطات الجلاب وشراب الورد.

عن أي رمضان نتكلم؟
عن بحر صور، عن خيم الصليب، عن اليونفيل، عن إنفجارات ليست بالحسبان، عن سلفيين يزدادون تشددا، عن إقتصاد يعتمد بيع الكحوليات، عن صورة متناقضة تجمع كل أطراف المستحيل في قلب واحد، في كنيسة وجامع، عن بحر يجمع "التشادور" و"المايو"، عن موسم سياحي انقطع بسبب زيارة رمضان، فهل سيعسفه الوضع الأمني ليكمل بقية الموسم.

عن أي رمضان نتكلم؟
عن مدينة النبطية والغلاء الفاحش الذي تعيشه، عن الإفطارات الجماعية التي تقيمها المؤسسات والجمعيات والتي تضع تحت كل صحن ظرفاً مفتوحاً للتبرع مع استمارة بكل التفاصيل التي تشرح اسمك وعنوانك وقدراتك المالية.

عن أي رمضان نتكلم؟
والكهرباء مقطوعة عن القرى والبلدات المجاورة للمدينة، عن فوانيس المازوت والكاز عادت للبيوت، عن مولدات كهرباء بلا كواتم، عن مشاجرات الجيران بسبب أصواتها.

عن أي رمضان نتكلم؟
"شي متل الكذب" ما وصلنا إليه، غريبة المعايير التي نستند إليها، أصوات الناس اختفت، الوضع المعيشي لا يطاق، لا يسعنا إلاّ التمني بأن يعيننا الله على صيامه وقيامه. هذا الشهر رحمة لنا للإنطلاق من جديد. و"عنجد بلبنان الطقس معتدل" مين قال!!؟؟
 

السابق
أَدَبُ العِبْرَةِ
التالي
هنا يتحدثون وهناك يعملون