التحالف الشيعي مع التريث في رد الفعل ويترك الكلمة للقضاء في الملف الاتهامي

 أدخل ادعاء النيابة العامة العسكرية على النائب والوزير السابق ميشال سماحة ومسؤول سوري رفيع المستوى هو رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ومدير مكتبه العقيد عدنان مجهول باقي الهوية بتهمة تأليف عصابة للنيل من سلطة الدولة وهيبتها ومحاولة القيام بأعمال إرهابية بواسطة عبوات ومتفجرات، لبنانَ في مرحلة جديدة يمكن ان يترتب عليها تداعيات سياسية بين لبنان وسورية مع جلاء الحقيقة من خلال التحقيقات التي سيتولاها قاضي التحقيق العسكري الأول، رغم ان الموقف في داخل «قوى 8 آذار» التي تتمثل بأكثرية ملحوظة في الحكومة، يتأرجح بين فريق يفضل التريث وآخر يتعامل مع التهم على انها مفبركة ومسيسة.

وبدا واضحاً من خلال ردود الفعل الأولى ان حركة «أمل» بزعامة رئيس المجلس النيابي نبيه بري اتخذت لنفسها من الاتهامات الموجهة الى سماحة وقبل أن تنسحب على اللواء مملوك، موقفَ المتريث ولم تقحم نفسها من قريب أو بعيد طرفاً في الحملة الداعمة لسماحة أو المتضامنة معه انطلاقاً من حرصها على عدم التسرع في إصدار الأحكام مكتفية بالاستفسار من المراجع المختصة في قيادة قوى الأمن الداخلي عن الأسباب الكامنة وراء توقيف الوزير السابق، وعن التهم الموجهة اليه، وعن مدى صحة ما قيل بأنه اعترف بها بملء إرادته.

وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية رفيعة، ان الرئيس بري شخصياً بادر الى الاستفسار عن الظروف التي رافقت دهم منزل سماحة في بلدة الجوار في المتن الشمالي وتوقيفه واستوضح على طريقته من المعنيين عن حقيقة التهم المنسوبة الى سماحة وهذا ما يفسر عدم انخراط النواب والمسؤولين في «أمل» في السجال الدائر حول توقيفه، مفضلين الانتظار الى حين الادعاء عليه من قبل النيابة العامة العسكرية.

ووفق المعلومات ذاتها، فإن حركة «أمل» ارتأت الوقوف وراء القضاء اللبناني المختص وعدم التسرع في حرق مراحل التحقيق الذي بوشر مع سماحة، وهذا يعني انها نأت بنفسها عن الدخول طرفاً في السجال الذي اندلع فور توقيفه والذي تراوح بين مستغرب للتهم الموجهة اليه وبين مدافع عن توقيفه، بذريعة ان التهمة مقرونة بالأدلة والبراهين التي لا يرقى اليها أدنى شك.

أضف الى ذلك أن قيادة «حزب الله» تعاملت مع ردود الفعل الأولى التي صدرت عن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وفيها ان الاتهامات الموجهة لسماحة مفبركة وصادرة عن جهاز أمني منحاز، وكأنها لم تكن، واتخذت لنفسها الموقف المتريث بدلاً من التسرع في اتخاذ الموقف.

 

الاعتراف فرض التروي

وهناك من يؤكد ان «حزب الله» لم يقرر التروي في تحديد موقفه من توقيف سماحة إلا بعدما احيط علماً من خلال الاتصالات التي أجراها مسؤول التعبئة والتنسيق وفيق صفا بمرجع أمني كبير أكد له أنه اعترف بالتهم المنسوبة اليه. ويذكر ان التواصل بين صفا والمرجع المذكور لم ينقطع على رغم الشوائب التي تشوب العلاقة بينهما من حين لآخر.

لكن مبادرة «حزب الله» الى مراجعة موقفه موقتاً في انتظار ما ستتوصل اليه التحقيقات الجارية مع سماحة، لم تمنع وسائل إعلامه من تسليط الأضواء على ردود الفعل الصادرة عن سياسيين ومسؤولين أمنيين سابقين في دحضهم التهم الموجهة الى سماحة وفي استغرابهم الطريقة التي اتبعت لتوقيفه.

وعليه، فإن التحالف الشيعي بركنيه «حزب الله» و «حركة أمل» قرر أن ينأى بنفسه عن الحملات المتبادلة على خلفية توقيف سماحة، رغم انه على تحالف وثيق مع النظام السوري الذي تربطه أكثر من علاقة استراتيجية بالوزير السابق الذي يحظى بمكانة خاصة لدى القيادة في سورية.

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية واسعة الاطلاع ان التحالف الشيعي لم يتنكر لعلاقته الوثيقة بالنظام في سورية، وانه ما زال يراهن على قدرة الرئيس بشار الأسد على استيعاب التأزم المتصاعد حالياً في سورية وإعادة الاستقرار اليها، لكنه في الوقت نفسه لا يحبذ استيراد هذه الأزمة الى الداخل في لبنان.

وتضيف ان التحالف الشيعي ليس في وارد ان ينتدب نفسه وحتى إشعار آخر للدفاع عن سماحة، وبالتالي يعطي فرصة للقضاء اللبناني ليلفظ حكمه وعندها يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، على رغم أنه يأخذ على الفريق الآخر في «14 آذار» إسراعه في تبني التهم استباقاً لما سيصدر عن القضاء اللبناني.

وترى المصادر عينها أن التحالف الشيعي ضد جر البلد الى فتنة مذهبية وطائفية، وهذا ما أكده مراراً وتكراراً الرئيس بري والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وبالتالي يحرص على التهدئة، مع ان الحزب يتشدد في موقفه من سلاحه الذي سيُدرج ضمن الاستراتيجية الدفاعية للبنان على جدول أعمال الحوار الوطني في جلسته الخميس المقبل برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.

وتعتقد ان تشدد «حزب الله» في الدفاع عن سلاح المقاومة لا يعني أبداً أنه مع تهديد الاستقرار العام في لبنان وصولاً الى إحداث اضطرابات أمنية لن يستفيد منها أحد، أو أنه في وارد أن يضع نفسه في الدفاع المجاني عن قضية موضوعة الآن بيد القضاء اللبناني.

وتلفت المصادر الى ان التحالف الشيعي لن يغسل يديه من تحالفاته، لكنه يرفض أن يتحمل مسؤولية ما يترتب على أفعال غيره، و «خصوصاً أن أي تفجير أمني ممكن أن يحصل لا سمح الله في منطقة لا يوجد فيها اختلاط بين الشيعة والسنّة يمكن ان يرتد سلباً عليهما بذريعة ان لا شيء يحصل من دون علم هذا الطرف أو ذاك».

وبكلام آخر، فإن «حزب الله» يرفض أن يلصق به التهم «الجاهزة» أو أن يغطي إقحام البلد في مسلسل جديد من الاضطراب الأمني الذي من شأنه أن يتجاوز إحداث فتنة بين السنّة من جهة وبين المسيحيين والعلويين من جهة ثانية، الى تعميق الشرخ بين السنّة والشيعة، باعتبار ان هاتين الطائفتين ستكونان الأكثر تأثيراً في أي تدهور أمني حتى لو أن ساحته بعيدة عن المناطق المتداخلة بينهما.

وتستدعي كل هذه المحاذير من التحالف الشيعي التعاطي بواقعية مع الأحداث الجارية في لبنان، خصوصاً اذا كانت ذات طابع أمني من دون أن يغرق في مزايدات من هنا أو هناك من شأنها ان تبدّل من قناعته بوجوب التريث، لا سيما إذا جاءت من قبل جهات ليس لديها ما تخسره خلافاً لواقع التحالف المميز في المعادلة السياسية في لبنان التي تحتم عليه الانتظار قبل أن يقول كلمته في الاتهامات الموجهة لسماحة، والتي لن تكون معزولة عن المسار القضائي الذي ستسلكه محاكمة سماحة، على رغم انه للمرة الأولى توجه فيه التهمة لمسؤول أمني سوري بارز بمستوى اللواء مملوك.

وتقول المصادر انه «لا يجوز ان نغفل من حسابنا في معرض رغبة حزب الله بضرورة التروي والتأني، أن العديد من وزرائه ونوابه تناوبوا على إلقاء الخطب الرمضانية وحصروا مواقفهم بتأييد مشروع القانون الذي أقره أخيراً مجلس الوزراء باعتماد النظام النسبي في الانتخابات النيابية المقبلة وفي الدفاع عن سلاح المقاومة كأساس في الاستراتيجية الدفاعية المدرجة على جدول أعمال الحوار».

 

السابق
الغنوشي: ثورة إيرانية قريبة تشق طريقها بقيادة الخامنئي
التالي
سليمان يرفض مسايرة من يهدد الاستقرارو «14 آذار» مع الحوار تحت سقف الدستور