تركيا تحاول التدخّل العسكري المباشر ولكن

حاول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ولا يزال يحاول بشتّى الوسائل إيجاد ذريعة تمكّنه من التدخّل العسكري المباشر في الأزمة السورية، ولكنّه لم يتمكّن حتى الآن من تأمين هذه الذريعة في ظلّ اتّهام دمشق وحلفائها الإقليميين والدوليين له بالتورّط في الشأن السوري الداخلي.

يتدخّل أردوغان حاليّاً في الأزمة السورية بطريقة غير مباشرة عبر تسليح المعارضة السوريّة وتسهيل حركتها عبر الحدود التركية ـ السورية، ويؤدّي في الوقت عينه دور الوكيل في التمويل والتسليح الذي يقدّمه المحور الإقليمي والدولي دعماً للمعارضة السورية بشقَّيها السياسي والعسكري.

ويبدو أنّه وجد في المعركة الدائرة حاليّاً في حلب العاصمة الثانية لسوريا بعد دمشق، ما يمكن أن يتيح له التدخّل في الأزمة السورية، خصوصاً أنّه لم يهضم بعد إسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة الفانتوم 4 التركية قبل أسابيع، والذي وجد فيه ما يُسيء إلى هيبة تركيا وجيشها.

وإثر هذه الحادثة حاول أردوغان الاستحصال من حلف "الناتو" الذي تنتمي تركيا إليه على تغطية للردّ على إسقاط الفانتوم، ولكنّ الحلف الذي اجتمع يومذاك لم يجارِه في ذلك، في ظلّ الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج الذي حال ويحول دون أيّ تدخّل عسكري أطلسي أو غيره في سوريا.

غير أنّ "خيبة" أردوغان من حلف "الناتو" لم تمنعه من تغيير قواعد الاشتباك على الحدود مع سوريا، فاستنفر جيشه ودفع بتعزيزات مدرّعة ومنصّات صواريخ مضادّة للطائرات إلى هذه الحدود، الأمر الذي اعتبر رسالة تهديد لدمشق بإسقاط أيّ طائرة حربية سورية تقترب من الأجواء التركية.

وفيما لا يخفى أنّ أردوغان يتعرّض لضغوط بعض الدول من أجل التدخُّل عسكريّاً مباشرة في سوريا، اغتنم قبل أيّام فرصة اندلاع المعارك في حلب بعد أن حسم النظام معركة "دمشق الكبرى" ضدّ المعارضة، ودفع بمزيد من القوى التركية المدرّعة إلى الحدود المحاذية لحلب وريفها وفتح هذه الحدود أمام مسلّحي المعارضة ومدّهم بمزيد من الأسلحة وساعدهم في السيطرة على بعض المعابر، كذلك دفع بتعزيزات آلية إلى منطقة ماردين المحاذية لمنطقة القامشلي السورية الكردية، وذلك على إثر حراك عسكري كردي شهدته هذه المنطقة، ملوّحاً بالتدخّل فيها ومتّهماً دمشق بأنّها وضعت المناطق الكردية في عهدة حزب العمّال الكردستاني.

ومؤكّداً، في حديث إلى محطة "كانال 42" التلفزيونية التركية، حقّ أنقرة في مطاردة المسلّحين الأكراد "في حال الضرورة" داخل الأراضي السورية إذا نفّذوا أيّ هجمات في تركيا. واعتبر "أنّ نشر دمشق حزب العمال الكردستاني أو فرعه السوري حزب الاتّحاد الديموقراطي قرب الحدود التركية هو خطوة موجّهة ضد تركيا"، وهدّد بردّ "على هذا الموقف".

والمفارقة هنا أن أردوغان الذي كان ينادي بإقامة منطقة عازلة تستطيع المعارضة السورية أن تتّخذها قاعدة تنطلق منها لمهاجمة النظام السوري بقواه الأمنيّة والعسكرية، بدأ يحذّر دمشق حاليّاً من إقامة منطقة كردية عازلة على الحدود التركية، مهدّداً بقصف هذه المنطقة واقتحامها. ويرى مراقبون في هذا المجال أنّ تركيا إذا شنّت مثل هذا الهجوم ستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع دمشق لأنّ الدفاعات الجوية السورية ستتصدّى للطيران التركي إذا حاول قصف الأكراد مثلما يفعل ضدّ الأكراد في الشمال العراقي من حين إلى آخر.

لكنّ هؤلاء المراقبين يرون أنّ أردوغان، وعلى رغم استنفاره الراهن ضدّ الأكراد، يُدرك جدّية الرسائل التي توجّهها موسكو يومياً مؤيّدة دمشق، وكذلك فهم الرسائل التي وجّهتها إليه طهران ودمشق من خلال المواقف التي أطلقها وزيرا خارجية البلدين وليد المعلم وعلي اكبر صالحي الاثنين الماضي من العاصمة الإيرانية، إذ حذّرا من مغبّة أيّ هجوم خارجي يمكن لدمشق أن تتعرّض له.

ويعتقد مراقبون أنّه إذا حاول أردوغان قصف الأكراد السوريين قد يدخل بلاده في مواجهة شاملة مع جميع الأكراد انطلاقاً من الحدود التركية مع إيران والعراق وسوريا وصولاً إلى الداخل التركي، وذلك على رغم العلاقة الجيّدة والمصالح التي باتت تربطه بأكراد كردستان العراق بزعامة مسعود البارزاني. علماً أنّ أيّ تدخّل عسكري تركي مباشر في سوريا قد يتسبّب بحرب إقليميّة لا يزال الجميع يعملون على تجنّبها لكثير من الاعتبارات.

ويعتقد قريبون من دمشق أنّ مسارعتها إلى إيكال أمن المنطقة الكردية السورية إلى حزب الاتّحاد الديموقراطي الكردي حزب العمال الكردستاني، قد قطع الطريق أمام محاولات غربيّة تهدف إلى جعل هذه المنطقة شبيهة بكردستان العراق التي تشكّل جزيرة تتجمّع فيها استثمارات كثير من الشخصيات والقوى الموالية للغرب، حيث إنّ البعض يدفع بالأكراد السوريين إلى المطالبة بحكم ذاتي على غرار كردستان العراق التي بدأت تشتبك سياسيّاً مع الحكومة العراقية المركزية وتُهدّد بالاستقلال نهائيّاً عنها.

ويخشى المراقبون في هذا السياق من أن يكون خلف ما يجري مخطّط لتقسيم سوريا إلى دويلات سُنّية وعَلوية وكردية ودرزية وغيرها، يبدأ تنفيذه انطلاقاً من المنطقة الكردية في القامشلي وجوارها.  

السابق
واقع مؤثّر
التالي
التحقيق مع آمر مفرزة صيدا