بين الأقوال والأفعال في دعم الجيش

«إنّ انتهاء المعارك في مخيّم نهر البارد لا يعني انتهاء الأعمال العسكرية في هذا المخيم، ولا يعني أنّ الحرب على الإرهاب انتهت لأنها عملية مستمرّة تقضي بديمومة الجهوزية واليقظة والحذر والتصدي لأي أعمال إرهابية مستقبلية».
هذا ما قاله مدير العمليات في الجيش اللبناني آنذاك اللواء الشهيد فرنسوا الحاج في مؤتمر صحافي عقده عقب إعلان الحسم في نهر البارد مطلع أيلول 2007.
الحرب على الإرهاب لم تنته صحيح، الا أنّ الأصحّ اليوم أن لبنان أصبح ممراً ومقراًُ للمجموعات الإرهابية من الأراضي اللبنانية الى الأراضي السورية، على مرأى ومسمع من أركان الدولة اللبنانية النائية بنفسها عن مكافحة ما يجري، لا بل أكثر من ذلك، فقد اكتفت بالكلام الإنشائي عن دعم الجيش لكنها عملياً نأت بنفسها عن توفير الغطاء السياسي له للقيام بواجبه، وكأنها تغطي هذه الجماعات التي تتحفنا بين الفينة والأخرى بالتهديد والوعيد وبالاعتصامات وبإقفال الطرقات وإشعال الدواليب.
لقد كان فرنسوا الحاج بطل القضاء على إرهاب «نهر البارد»، وهو ضابط وطني بامتياز، وكان مؤهلاً لتبوؤ أرفع المناصب، لذلك فكان الحلّ لمواجهته باغتياله ضمن إطار النزعة السلفية التكفيرية الإلغائية. وكما أنّ هذه النزعة الإرهابية المتطرفة اغتالت الشهيد الحاج، فإن أحداً من فريق «14 آذار» لا يسأل إلى أين وصلت التحقيقات في اغتياله، ولذلك يطرح سؤال جوهري عن تصرفات ومواقف تيار المستقبل وحلفائه في «14 آذار» من الجيش، والتي تبدو وكأنها تغطي مَن يريد اغتيال الجيش؟
لقد أصبحت لغة الشارع أقوى من عدالة القضاء، ومن وطنية المؤسسة العسكرية التي احتفلت بعيدها يوم أمس، إلا أن السؤال الذي يطرح وفق مصادر أمنية ، هو هل انّ هذا الجيش الذي خطب فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أمس في اليرزة، وقال إنه يحمي ولا يعتدي ويبني ولا يدمّر، وانه لا يستطيع إتمام مهامه من دون توفير بيئة وطنية تركز على البديهيات؟ سعيد بعيده، فيما هناك ضباط قد مارسوا مهامهم ونفذوا التعليمات في 20 أيار الماضي على حاجز الكويخات، واضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم في مواجهة مَن اعتدى على الحاجز وضباطه وعناصره وأطلق النار عليهم، ما أدى إلى مقتل رجُلي دين وما أعقب ذلك من تحقيق تضمن ما كان بحوزتهما، وكانت النتيجة أن ألقي بالضباط والعسكريين في السجن بقرار من الحريرية السياسية، ونزولاً عند مطلب الجماعات السلفية التي هدّدت بإحراق لبنان، وبسكوت من السلطة السياسية على هذه الفعلة التي خضعت لضغوط طائفية ومذهبية.
عاد الضباط الثلاثة الى السجن بعد إطلاق سراحهم، منعاً للحرب الأهلية كما قيل، كما يستمر توقيف عدد من العسكريين في قضية الكويخات، والهدف هو محاولة ضرب هيبة الجيش ومعنوياته، والاقتصاص من الضباط والعسكريين، الذين كانوا يقومون بواجبهم في حفظ الأمن والاستقرار وتنفيذ التعليمات والأوامر.
ويقول المصدر الأمني ان ضرب معنويات الجيش هو أساس سياسة تيار المستقبل مجتمعاً، فمنذ وصول الرئيس الراحل رفيق الحريري الى الحكم في العام 1992، وضع الجيش اللبناني أمام خيارين، إما أن يلتحق به ويكون تحت إمرته، وأن يكون قائده موظفاً عنده، كما هو حال بعض الجيوش في الدول العربية والخليجية، أو يتمّ التضييق عليه، لأن البديل من الجيش موجود بنظرهم وهو قوى الأمن الداخلي.
لقد طبّقت هذه السياسة في مسألة التجهيزات والتسليح، ثم انتقلت الى الخدمات، ثم تطورت لتصل الى الرواتب، في محاولة لاقتطاع بعض التعويضات، وصولاً اليوم الى المستوى الأخطر، وهو ضرب معنويات الجيش، وما أحداث طرابلس وعكار إلا دليل على ذلك.
وعليه لا يمكن لأيّ مراقب، أن يصدّق أن موقف كتلة المستقبل من الجيش، مغاير لموقف النائب معين المرعبي الذي لم يترك لفظة سيئة الا وأطلقها وساقها ضدّ الجيش اللبناني، بعدما كان سبقه قبل فترة النائب خالد الضاهر، وكأنّ الأمر تبادل للأدوار بين نواب «المستقبل» أجمعين.
صحيح أن الدولة اللبنانية احتفلت أمس بعيد الجيش من أقصاها الى أقصاها، وأصدر قادتها البيانات الداعمة وبرقيات التهنئة إلى وزير الدفاع الوطني فايز غصن وإلى قائد الجيش العماد جان قهوجي، إلا أن كل ذلك لا ينفع وليس ذا جدوى، فما ينفع هذه المؤسسة العسكرية، هو تقديم الدعم المادي والمعنوي للجيش ورفض الاعتداء عليه، وعدم تغطية المعتدين والمتهجّمين على هذه المؤسسة الوطنية الوحيدة في لبنان.
ويبقى السؤال، هل سترفع القيادات السياسية الغطاء والحصانة عن نائبي عكار معين المعربي وخالد الضاهر الذي كان أول من هاجم الجيش وقائد الفوج المجوقل العميد جورج نادر المعروف بوطنيته عندما ادعى ان هذا الفوج يتعاطى مع أهل الشمال كأنه جيش احتلال وليس جيشاً لهذا البلد، وأن عدداً من ضباط وعناصر هذا الجيش ولاءهم ليس لهذا البلد، بل إنّ عقولهم معبّأة مذهبياً وطائفياً وسياسياً مع فريق 8 آذار وحزب الله وتيار ميشال عون، في محاولة للعب على الوتر المذهبي، تمهيداً لتحقيق مآربه بخروج الجيش من عكار واستبداله بما يسمّى «الجيش حر»، وكأنه يريد استعادة تجربة سعد حداد وأنطوان لحد في الجنوب؟
لقد باشرت القيادة اتخاذ الإجراءات القانونية الآيلة إلى ملاحقة المرعبي أمام الجهات المختصة، وفقاً لما تنصّ عليه القوانين والأنظمة المرعيّة، فهل سيعمد مجلس النواب، عندما يحال إليه الملف القضائي، إلى رفع الحصانة عن المرعبي وعن أمثاله؟ أم أنّ الغول الطائفي والمذهبي سيستمرّ في «أكل الرؤوس» وفي التسلط لمنع قيام الدولة الوطنية القوية القادرة؟ 
 

السابق
في زحمة سير.. ابتسم
التالي
الديار تهاجم الحريري: أوقع المسيحيين ضحية لبنان أولاً فتركهم مع الأصوليين