أداة ضغط ومسار صفقة

يحتدم الخلاف حول التركة. غريب هو المجتمع الدولي، فجأة نسي أو تناسى كلّ شيء: المجازر، الاقتحامات، العنف، الخراب، والدمار.
ولم يعد هذا المجتمع يعنيه من الشأن السوري سوى الأسلحة الجرثوميّة والكيميائيّة. هذا يهددّ، وذاك يتوّعد، وثالث يراوغ، فيما "التحريات" على قدم وساق لمعرفة أمكنتها وكميّاتها، وهل هي حديثة الصنع، أم من مخلفات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

لنعترف أولا بوجود عنوان جديد للأزمة داخل سوريا اسمه السلاح الجرثومي، الذي شغل ويشغل الرأي العام ويقلق إسرائيل والإدارة الأميركيّة. ولنعترف ثانيّا بأن هذا السلاح كان موجودا، ولم يمتلكه النظام حديثا، إنما دخل حيّز التداول الإعلامي بعد تفجير مقر الأمن القومي السوري ووصول المعارك الى قلب العاصمة دمشق، وبعد "الفيتو" الروسي – الصيني في مجلس الأمن، وتخوّف إسرائيل من وصول الفوضى الأمنيّة الى هضبة الجولان.

وفي موازاة هذه الضجّة، تتردد في بعض الكواليس الديبلوماسيّة كلمة "صفقة". صفقة بين من ومن؟ وهل بعد من صفقة وسط أنهار الدماء، ومباشرة مجلس وزراء الخارجيّة العرب في الدوحة بالعد العكسي إيذاناً بسقوط النظام في وقت قريب، مع التمني على رئيسه بالتقاط الإشارة، والاستفادة من الفرصة المتاحة، والخروج الى مكان آمن قبل فوات الأوان؟

ويمثّل هذا الكلام وجهاً من المشهد، فيما الوجه الآخر يمثّله الروس الغارقون بصمت مطبق حيال الضجة المُثارة حول مخزون السلاح الكيميائي. وحده الرئيس بوتين كسر القاعدة ليعيد الأمور الى المربع الأول، عندما شددّ على ضرورة التوصل الى تسوية، لأن سقوط النظام يعني دفع سوريا نحو المجهول حيث ستغرق في حرب أهليّة.

والكلام عن التسويّة يأخذ المستجدات بعين الاعتبار وفق تراتبيتها، انطلاقا من استهداف الرؤوس الأمنيّة الكبيرة في النظام والنيل منها، الى "الفيتو" في مجلس الأمن، وما أعقبه من شجار إعلامي بين واشنطن وموسكو حول خلفياته وأبعاده، الى دعوة وزراء الخارجيّة العرب المعارضة السورية الى توحيد صفوفها وتشكيل حكومة وحدة وطنية للمرحلة الانتقاليّة، بعد اجتماعهم الأخير والاستثنائي في الدوحة، وظهور السلاح الجرثومي فجأة الى سطح التداول من دون سابق إنذار.

إذاً، نحن أمام أولويات أربع: غياب قيادات أمنيّة يقال إنها كانت تشكل عائقا في وجه النظام تمنعه من الدخول في أي حوار او تسوية مع المعارضة، لا بل مع أيّ جهة خارجيّة كانت تسعى الى تدوير الزوايا الحادة، وتبحث عن مخارج مفيدة للأزمة، ثم تأكيد موسكو على حضورها الفاعل والمؤثر في سوريا من خلال الفيتو الذي مارسته في مجلس الأمن، وكأنها تريد أن تبلغ القاصي والداني بأنّ من يريد ان يفاوض، فعليه "أن يحكي معنا"، وليس مع "أيّ كان؟!". ودعوة وزراء الخارجيّة العرب الرئيس الأسد الى التنحي فورا مقابل مأوى آمن، والتطرّق مباشرة الى مخزون الأسلحة الكيميائيّة.

وجاءت عروض الدوحة وكأنها ردّ على عروض موسكو التي تريد تفاهماً بين الجميع، وتحديدا بين المعارضة والنظام على المرحلة الانتقاليّة، ووضع ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر جنيف من بنود وتوصيات موضع التنفيذ، على أن يقول الشعب السوري كلمة الفصل في صندوقة الاقتراع بين أن يبقى النظام او يرحل. فيما تقول عروض الدوحة بالتنحي الفوري للرئيس، وتوفير خروج مشرّف له من السلطة، ومكان آمن بعيد عن أي محاكمة او ملاحقة يمكن أن تطاله وأفراد عائلته، ودعوة المعارضة الى توحيد صفوفها، وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة تتولى مهام المرحلة الانتقاليّة، ودستور جديد، وانتخابات، واختيار ممثلين عن الشعب السوري لإرساء مداميك سوريا الحديثة.

ويأتي السلاح الجرثومي – الكيميائي ليشكّل "بيضة القبان"، ولا مانع لدى الإدارة الأميركيّة وإسرائيل من إدخاله كموضوع أساسي ورئيسي ضمن الصفقة – التسوية، المهم معرفة نوعيته، وكميته، ومن هي الجهة الموثوقة المؤتمنة على تعطيل دوره من خلال تعطيل مفاعيله، او ضمان حسن تخزينه.

هل التسوية ممكنة؟ الجواب بسيط، الكلام اليوم للفوضى، المعارضة تريد سحق النظام، وتريد أن يتحقق ذلك قريبا، فيما النظام يريد سحق المعارضة بأي أسلوب، ومهما كان الثمن.

ولم تعد الأرقام تهزّ الدول وتخيفها، بل التداعيات التي قد يتركها تفاقم الأزمة، واحتمالات تصديرها الى دول الجوار، وانعكاس كلّ ذلك على منابع النفط والغاز والممرات المائيّة لتصديره، وأيضا على إسرائيل وأمنها، وعلى المصالح الغربيّة، وعلى القواعد العسكرية الأميركية، ومصير "الأصدقاء والحلفاء" في الخليج ومستقبلهم.  

السابق
سلاح ظاهر
التالي
الأسد ينتحر دوليا