موسكو لواشنطن: أعطونا البديل من الأسد

دخلت موسكو على خط "تأمين مخرج للنظام السوري"، هذه قناعة واشنطن. تصريحات السفير الروسي في باريس، ليست وليدة انقسامات في الإدارة "البوتينية". النقاش مسموح في هذه الإدارة لكن ليس تبلورها في تيارات. القيصر بوتين لا يتحمّل القفز فوق المسارات السياسية التي يرسمها. عملية دمشق، التي تم فيها "قطع أصابع" النظام الأسدي، ليست حادثة عابرة. وصول الاختراق إلى حصن الحصون الأمنية واستكمالها بالمعارك الواسعة في قلب دمشق ومن ثم في حلب، أكدا أنّ النظام الأسدي لم يعد متماسكاً. يستطيع النظام تحقيق انتصارات ومكاسب، لكنها لن تكون دائمة. في حروب المدن، كل شيء ممكن، لأنّها حروب تعتمد على الكرّ والفرّ، الانتصار فيها يتطلب الصبر والتضحيات والنفَس الطويل. بالنسبة للرئيس بشار الأسد، انتهى الزمن الذي كان فيه اللاعب الوحيد والحكم الواحد.
التوازن السلبي بين النظام الذي نجح في تكوين نواة عسكرية صلبة تابعة له، ومعارضة تتسع وتتزايد أعدادها ويتبلور تنظيمها، لن يستمر طويلاً. فتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز باب التبرّع الشعبي، يضخ دماً ضرورياً في حسم الثورة السورية. تسليح الجيش السوري الحر بأسلحة من صواريخ "ستينغر" و"سام-7" يطيح الهيمنة الجويّة للنظام الأسدي.

لأول مرّة طرحت موسكو على واشنطن، استناداً الى مصادر مطلعة، خلاصة العرض الروسي. قدموا لنا البديل للأسد ونظامه؟. مجرّد السؤال عن البديل يعني أنّ موسكو فقدت الأمل من الأسد. لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا ردّ عملياً بطريقة غير مباشرة، مقترحاً تشكيل حكومة انتقالية تضم مختلف الأطياف السياسية السورية. هكذا حكومة متى شُكِّلت تقدّم ضمانة لموسكو وللغرب معاً بأنّ الإسلاميين لن يحكموا ويتحكّموا بسوريا، وإنّما سيكونون جزءاً من مرحلة ما بعد الأسد وليسوا كل النظام. أبعد من ذلك ضمن السيناريوات المطروحة، إعلان مجلس عسكري رديف للحكومة مشكّل من عسكريين من مختلف الطوائف، تحديداً من العلويين والسنّة من داخل الجيش ومن الجيش السوري الحر. يجب أن يكون العلويون جزءاً فاعلاً في النظام المقبل حتى لا تتفتت سوريا. أي استبعاد لهم، يؤدي إلى تقسيم "دوفاكتو" طالما أنّ التقسيم إلى دويلات مستقلة أمر ممنوع، لأنّه مسار منتج نهايته تكون في تقسيم تركيا وإيران معاً. العالم خصوصاً أوروبا وروسيا معاً ليس مستعداً إلى إعادة رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط لا يمكن لارتداداتها إلاّ أن تضرب كل مَن يحيط بها أو يطلّ عليها أو يرتبط بها بالمصالح خصوصاً الاستراتيجية منها بها.

ضمن السيناريوات المطروحة، إقامة منطقة عازلة على الحدود مع تركيا والأردن. تحريك تركيا لقواعد صواريخ أرض – جو، يصب في تنفيذ مثل هذا السيناريو. إقامة أي منطقة عازلة يتطلب تحييد السلاح الجوّي السوري. هذه بداية مفتوحة على كل الاحتمالات، منها فرض حظر طيران شامل على سوريا. متى قامت مثل هذه المنطقة، يعني أنّ حلاً مستخلصاً من التجربة الليبية قد بدأ. ليس بالضرورة حصول تدخّل عسكري غربي عربي مباشر. "الجيش السوري الحر" يكبر يوماً بعد يوم. الانشقاقات ضخمة، خصوصاً على صعيد الضباط سواء لأسباب وطنية أو خوفاً من مصير مشابه لسياسيين وضباط ليبيين ومصريين وتوانسة.

أيضاً ما قالته سوزان رايس المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة عن "العمل خارج مجلس الأمن" لم يأت من فراغ. مؤتمر "أصدقاء سوريا" ضمّ أكثر من مئة دولة. يمكن لهذه المجموعة الضخمة والتي يمكن أن ينضم إليها لاحقاً أكثر من خمسين دولة، أن يفتحوا الباب أمام تحرّك الجمعية العامة للأمم المتحدة. عاد الحديث عن بعث الحياة في القرار 377 الصادر في 3/11/1950 بعنوان "الاتحاد من أجل السلام". ينص القرار على انه "إذا فشل مجلس الأمن بسبب غياب الإجماع بين الأعضاء الدائمين في مسؤوليته الأساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وفي حالة وجود تهديد للسلام أو خرق للسلام أو عمل من أعمال العدوان فإنّ الجمعية العامة تنظر في المسألة على الفور". سبق وأن طُبِّق هذا القرار في الحرب الكورية، وفي لبنان عام 1958 عندما قدم الجيش الأميركي ونزل على شواطئه بعد الانقلاب في العراق، وبعد أن عقدت الجمعية العامة دورة استثنائية في 8/8/1958، وفي الكونغو 17/9/1960 وفي كوسوفو. حالياً تزاوج الفيتو الروسي الصيني المعطل، مع الكشف عن امتلاك سوريا للأسلحة الكيميائية والجرثومية، والتهديد الرسمي باستخدامها في معرض النفي لاستخدامها ضدّ الشعب السوري، يشكل عامل تهديد خطير للسلام الدولي، ما يعزّز ذلك تصاعد التهديدات الإسرائيلية والأميركية بعمل عسكري للسيطرة على هذا السلاح.

تمديد عمل مهمّة كوفي أنان لشهر واحد، يعني أنّه لم يعد مسموحاً للأسد اللعب بسيف الوقت. الرئيس بشار الأسد خسر "الجنرال الوقت" بعد أن خسر جنرالاته في تفجير دمشق. لم يعد أمام الأسد عاجلاً أو آجلاً سوى الاختيار بين مصير زين العابدين بن علي أو مصير معمر القذافي.  

السابق
معركة دمشق والعملية الاستباقية
التالي
ماذا خلف الإقتراح القطري لتعديل خطّة أنان؟