مطاردة الساحرات في أميركا

منذ عدة أسابيع قدمت النائبة ميشيل باتشمان، الباحثة عن الإثارة، أفضل تقليد ممكن للسيناتور الراحل جوزيف مكارثي، عندما قامت، هي وأربعة من زملائها في الكونغرس، بنشر رسائل كانوا قد أرسلوها بشكل جماعي للمفتشين العموميين العاملين في وزارات الخارجية والعدل والدفاع والأمن الداخلي ومدير إدارة الاستخبارات الوطنية، يطالبونهم فيها بالتحقيق فيما إذا ما كانت للعمليات الرامية للتأثير وكسب النفوذ التي أجراها أفراد أو منظمات مرتبطين بجماعة «الإخوان المسلمين»، تأثير على سياسات الأمن القومي للحكومة الفيدرالية أم لا. وبتحذيرهم في تلك الرسائل من «الجهود الحثيثة من جانب الإخوان المسلمين للتغلغل في الحكومة الأميركية كجزء من الجهاد ضد الحضارة الغربية»، فإن هؤلاء النواب كانوا يريدون من المفتشين العموميين تحديد هوية المسلمين الذين يؤثرون في السياسة الأميركية.
وبتوجيههم لتلك التهم، كانت باتشمان ورفاقها يعتمدون على عمل قام به «مركز السياسة الأمنية» ومقره واشنطن، وهو لاعب سيئ السمعة في الصناعة المناوئة للمسلمين، ظل يعمل لسنوات طويلة من أجل تشويه سمعة الجماعات المسلمة الأميركية.

ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن رئيس هذا المركز كان قد خدم سابقاً كمستشار لباتشمان إبان محاولتها الفاشلة الترشح لانتخابات الرئاسة، وأن المصدر الوحيد الذي تم الاستشهاد به في تلك الرسائل الموجهة للجهات السابق بيانها هو «البرنامج التدريبي» للمركز الذي يرأسه هذا الرجل، والذي كان عنوانه «الإخوان المسلمون في أميركا: العدو من الداخل».
والأدلة والقرائن التي يقدمها أعضاء الكونغرس، لتعضيد تحذيرهم المشؤوم هي أدلة «واهية»، على أحسن تقدير حيث تبالغ في تصوير الخطر مبالغة غير قابلة للتصديق. فالنائب جو هميرت مثلاً يستخدم في رسالة له نبرة اتهامية موجهة للإدارة مفادها أن «هذه الإدارة لا زالت تواصل الانحناء أمام الجماعات الساعية لتدمير الحضارة الغربية من الداخل». وهو يقصد بالانحناء الاعتذار الذي قدمته الإدارة على واقعة حرق نسخ من القرآن في أفغانستان. ويقول إن مثل هذا الاعتذار لا يمكن إلا أن يكون نتيجة للقاءات المستمرة التي تجريها الإدارة مع «الإخوان المسلمين»، والتي أعمت نظر الإدارة عن رؤية الخطر الذي يمثله المسلمون على «قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا».

والشيء اللافت للنظر حول أولئك المشرعين المسكونين بنظرية المؤامرة، هو تزايد تهمهم اللفظية، وجسامة التهديد الذي يتخيلونه مع كل مرة يتكلمون فيها. والحقيقة أن البارانويا التي تتصف بها «باتشمان» تحديداً، توضح ما أقصده بهذا الكلام. ففي مقابلة أجريت معها مؤخراً، ناقشت فيها الجهود التي قامت بها، قالت: «على ما يبدو أنه كان هناك تغلغل عميق في قاعات وأروقة الإدارة الأميركية من قبل «الإخوان المسلمين»… والظاهر أن هناك عدداً من الأشخاص الذين ارتبطوا بـ«الإخوان المسلمين» بروابط وثيقة يشغلون مناصب حساسة للغاية في وزارة العدل، ووزارة الأمن الداخلي». ودعت باتشمان لـ«إجراء تحقيق لمعرفة من هم هؤلاء الناس على وجه التحديد، وما هي درجة قدرتهم على الوصول والنفاذ لمعلوماتنا القيمة».

ورغم أن مثل تلك الأقوال شائنة على أقل تقدير، فإن الرسائل التي بعث بها أولئك الأعضاء الخمسة من الكونغرس، وهم بالإضافة لباتشمان، كل من توم روني، ولين ويستمورلاند (الثلاثة أعضاءٌ في لجنة الاستخبارات بالكونغرس)، والنائبين ترنت فرانك ولويس جوهمرت، عضوي اللجنة القضائية بالكونغرس… لم تحظ تلك الرسائل باهتمام كبير من وسائل الإعلام، لكن ذلك ليس سبباً يدعونا لتجاهل ما جاء في الرسائل المذكورة أو التقليل منها، نظراً لما يتمتع به مرسلوها من نفوذ في الكونغرس، نابع من عضويتهم في لجنتين من أهم لجانه على الإطلاق.

ورغم أن المصدر الذي اعتمد عليه هؤلاء في توجيه التهم والتحذيرات التي ضمنوها رسائلهم، هو مركز دراسات وأبحاث سيئ السمعة، مشهور بدعايته السامة ضد المسلمين، فإن هذا النوع من «مطاردة الساحرات» الذي يتم حالياً، والشبيه بما كان يتم في عهد السيناتور «مكارثي»، يمكن – إذا لم يتم كبحه والحد منه – أن يؤدي لتدمير سمعة كثير من الناس.
لهذا السبب تحديداً، لا أملك سوى أن أبدي شعوري بالعرفان للناخبين العاقلين في الدائرة الخامسة للكونغرس في ولاية مينوسوتا لإرسالهم شخصاً مثل السيناتور كيث إيليسون للكونغرس. فهو رجل ذكي، يختار معاركه بعناية، وصاحب مبادئ، يتميز بالشجاعة والجرأة، والقدرة على التصدي للأمور التي يحجم الآخرون عن التصدي لها، ما أكسبه احترام وإعجاب زملائه.

وقد أظهر إيليسون قدراته القيادية الأسبوع الماضي عندما تحدى النائبة باتشمان، المصابة بفوبيا الإسلام، والباحثة عن الإثارة والشهرة، وذلك حين وجه لها وزملاءَها رسالة حاسمة اللهجة، طالباً منهم أن يزودوا مكتبه بمعلومات «عن كافة المصادر التي اعتمدوا عليها في توجيه تلك الاتهامات الخطيرة ضد الأشخاص والمنظمات التي أوردوها في رسائلهم. وإذا لم يكن هناك مصادر يمكن الاستناد إليها في توجيه التهم، فإنني – حسبما جاء في الرسالة – أتمنى أن تقوموا على نحو علني بتبرئة أسمائهم من تلك التهم».
  

السابق
سورية: إنقلاب علوي أم تقسيم فيدرالي؟
التالي
أخطر من الغزو