الميامون والدولة اللبنانية.. والجدليّة التي تحكم


بداية، من الواجب على اللبنانيين الذين ينوون الزواج انجاب عدد معين من الاطفال كما هو الحال في الصين مثلا، مع فروقات ضخمة في كل شيء، أي أن يكون عدد الاطفال المسلمين مساو لعدد الاطفال المسيحيين، والا فإنه على الذين يزيد عددهم في أي من الطائفتين ان يهاجروا وأن يستقروا في بلاد لا تعتمد المذهب أساس الوظيفة.
ان القضية التي أثارتها مسألة تثبيت المياومين بطابعها الطائفي تدفع للتفكير بهذا الحل توفيرا للانشقاق.

فمن أعلن لبنان الكبير في العام 1926 على أساس مذهبي لا بد أنه فكّر بالوظائف والمراكز الاولى، لكنه لم يفكر بالناس العاديين والفقراء. واليوم تفتّق عقل اللبنانيين عن انه يجب التساوي ايضا في الفقر وما تحت خط الفقر.هكذا يسلم الوطن من الغلبة. مع العلم أني من أشد المؤيدين لبقاء المناصب الاولى بيد المسيحيين كرئاسة الجمهورية والجيش والمصرف المركزي وغيره حفاظا على وجودهم في هذا البلد الذي يتجه نحو التشدد الديني الاسلامي اتساقا مع الربيع العربي الاسلامي في المنطقة. وحفاظا على التنوع الذي ميّز المجتمع اللبناني وليس زعماء السلطة فيه عن بقية المجتمعات العربية التي تنزلق نحو التاريخ.

ربما تفاجأ الميامون اللبنانيون في شركة كهرباء لبنان بخبر الموافقة على مشروع تثبيتهم في الشركة، لأن قصة العمال مع الدولة طويلة وطويلة، بدءا من عمّال معمل غندور في سبعينيات القرن الماضي، وصولا الى قضية الأساتذة المتعاقدين، وموظفي القطاع الصحي وغيرهم الكثير.. لماذا؟ لانه ليس من العادة ان تمنح السلطات اللبنانية عمالها أية حقوق حيث أنه خرج الى الشارع هذا الشهر فقط عشرات العمال المطالبين بحقوقهم المشروعة، لكنها لم تستجب لأية طلبات الا لمياومي شركة الكهرباء.

وهنا الغرابة.. هل استجابت السلطات لضغوطات عماليّة على نسق الضغوطات العماليّة الفرنسية حيث ان اضراب عمال القطارات وحده يشلّ فرنسا وأوروبا بأكملها.

هل استجابت نتيجة صبر وطول بال هؤلاء العمال؟ وعدم فضّهم اجتماعهم اليومي داخل الشركة وخارجها؟ وامتناعهم عن استيفاء الفواتير المتوجبة على المواطنين، الأمر الذي يؤدي الى مزيد من العجز المالي الذي يؤخر الاصلاح داخل الشركة، مما ينعكس سلبا على إمداد المناطق بالكهرباء، -المقطوعة اصلاـ، والتي بسبب غيابها المستمر تشتعل الدواليب على الطرقات، وتشتعل الطرقات بالناس والفوضى، والى ما هنالك من تخريب للأملاك العامة واسقاط لصورة الدركي الذي كان يسجل محضر ضبط داخل الاحياء الشعبية على المياه الفالتة في الشوارع من البنايات؟

قد يعتقد بعضنا انه صار في لبنان سلطات تنضوي تحت اطار ما يُعرف بالدولة، لولا انه يتفاجأ بالانقسام داخل مجلس النواب حول التصويت على المشروع المقترح والمقدّم من اللجان النيابية بهذا الاطارـ الا انه يتفاجأ ان القوى السياسية المكوّنة لما يسمى الدولة سقطت في فخ الامتحان الطائفي او لنقل نجحت فيه من خلال اختلاف الجميع مع الجميع حيث ضيّعت المذهبية والطائفية القوى، خالطة أوراقها، فتداخلت المعارضة مع الموالاة والأقلية مع الاكثرية. وبقي رئيس الجمهورية بيضة القبّان، وطار من كان يحاول الجميع استرضائه لملاقاتهم حيث فقد قيمته كـ(موارض) أو كـ(موعالي).
عادت الغابة الى وضعها الطبيعي، تشتد عزائمها بالغرائز. اذا كان عمال الكهرباء معظمهم من المسلمين، فالقوى المسيحية ترفض المشروع. واذا كان عمال كازينو لبنان معظمهم من المسيحيين يرفض الزعماء المسلمين المشروع وهكذا دواليك..

وقد تسقط هذه المعادلة أحيانا تحت عنوان "الوطنية" لأنه من المؤكد ان الزعماء الوطنيين بحاجة لأصوات التنوع الطائفي لرفع نائب هنا وآخر هناك في المناطق المختلطة في ظل الهدف الانتخابي المعروف.
أما اذا كانت أهداف المؤيدين لمشروع التثبيت وطنية وعماليّة حقيقة، فمن اللازم والضروري تثبيت جميع العمال المياومين الذين مرّ على خدمتهم سنوات كفيلة بمنحهم هذا الحق، كالأُجراء في المدارس، وعمال المياه وعمال الادارة العامة، والجامعة اللبنانية، والأساتذة في التعليم الابتدائي، والاساتذة في القطاعين المتوسط والثانوي، اضافة الى الاساتذة الجامعيين الذين دخلت المحاصصة السياسية ملفهم بعد فضيحة سنوات التعاقد التي نفاها رئيس الجامعة اللبنانية، ..

هذه المطالب المحقة تضع السلطات في مأزق التمويل، والذي يُنهك الخزينة، "المنهوكة" أصلا بفعل الفساد الإداري الذي يمارسه المُعينين في الادارات العامة أي موظفي الوزارات، أي باختصار من نطالب بتثبيتهم اليوم، وندعمهم ونقف الى جانب قضاياهم المُحقة على صعيد الضمان وتقديمات ما بعد الخدمة وغيرها،…والذين عينّهم على فترات زعماء هذا البلد وقيادييه دون استثناء.
فمن وصل الى السلطة باسم العمال صار برجوازيا، ومن اقتحم السلطات باسم المحرومين صار شبعانا، ومن وصل باسم المستضعفين صار مستكبرا، ومن دخل باسم التغيير بات عنوانا للمحاصصة، ومن استعمل نظافة الكف كعنوان صار عنوانا للفساد، ومن تكلم باسم الحفاظ على الدولة كان ولا زال أول منتهك لسيادة الدولة.

فلا "فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى"، ولا فضل لحزب على تيار أو العكس الا نظافة الكف. فكفوا أيديكم عن أملاك عامة الشعب الذين لا ينضوون تحت أي إطار.
انها دوامة يعيشها المواطن. من هنا نرى تشجيع المواطنيين لأولادهم على دخول ملاك الدولة، "جنّة الموظفين"، حيث اللامبالاة في نوعيّة الخدمة المقدّمة للمواطن الآخر، ولا مبالاة للوقت والمال المُنفق في سبيل تأمين خدمة سريعة.

الصورة على هذي الحال: المياوم يلهث باتجاه التثبيت، والمواطن أيضا يدعم تثبيت المياوم كونه من لحمه ودمه… بالوقت عينه يرفض المواطن الفساد وسوء الادارة داخل مؤسسات الدولة، ويعترض ويعبّر "لفظيا" فقط عبر برامج التوك شو.. وينعى الادارة برّمتها.
ويقف السياسي بين تلبية طلبات ناخبيه اللامحقة إرضاء لهم، كما انه يساندهم في عمليات الفساد والغش ليكسب رضاهم، فيسّعر اللغة المذهبية ليطلب أعداد أكثر من المُلتفين حوله في ظل النقاء المذهبيّ التام للمناطق بحيث باتت هذه المناطق كانتونات الا مع بعض الاستثناءات، والتي دفع فيها اصحاب المشاريع الوطنية العامة أثمانا.

بالخلاصة.. تختلط المطالب المُحقّة بالمطالب اللامحقة، ويختلط الحابل بالنابل.
ويبقى للمياومون الذين يعملون في المؤسسات الخاصة قصة مأساوية أخرى لا أحد يتطرّق اليها، والتي يرزح تحت سيفها آلاف الجامعيين والخريجيين والمهنيين، الذين يسعون الى عقد عمل يقيهم شرّ التقلبات الامنية والسياسية في لبنان.  

السابق
حزب الله الإيراني يتهم مقربين من أحمدي نجاد بدس السم للخامنئي!!
التالي
سوريان ولبناني قتلوا نتيجة القصف الصباحي على وادي خالد