إيمان بوتين

رحلة الحج التي قام بها الرئيس الروسي المؤمن فلاديمير بوتين الى الاراضي المقدسة في اليومين الماضيين، لا تدحض فقط الافتراض السائد بأن روسيا تطمح أو حتى تقدر على استئناف الحرب الباردة مع الغرب، بل هي تمثل نقيضا تاما لمثل هذه الفكرة الخيالية.
كانت رحلة بوتين حجاً الى اسرائيل، وتعبيراً عن رغبة روسية بالمصالحة معها ومع اليهود عموما، عرج الرئيس الروسي في ختامها على بيت لحم ثم عبر الى الضفة الشرقية لنهر الأردن، حيث كان مقصده الديني وتركيزه الارثوذكسي أقوى من كلامه السياسي، سواء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو مع الملك الاردني عبد الله الثاني.
لم يأت بوتين الى الاراضي المقدسة بتكليف من الكنيسة الروسية، لكنه بالتأكيد أراد أن يعمق تقاربه مع تلك الكنيسة التي كانت حاسمة في دعم عودته الى رئاسة الدولة الروسية وما زالت مؤثرة في حمايته من المعارضة الشعبية المتزايدة لبقائه في الكرملين.. والتي تحظى في جانب منها بتشجيع يهودي أميركي وإسرائيلي.
الزيارة هي استكمال لقرار بوتين بالسعي الى الانفتاح على الأميركيين وبالتالي على الإسرائيليين، الذين يتحدر خمسهم من أصول روسية، ويشكلون ورقة قوة لا يستهان بها في السياسة الاسرائيلية، يمكن أن تؤسس لتحالف استراتيجي روسي اسرائيلي، يشمل التعاون في مجالات السياسة والأمن والنفط والغاز، ولا يتنافى مع المظلة العسكرية الاميركية الثابتة لدولة اسرائيل.
ولعل الاشارة الاولى الى مثل هذا التحالف الجديد تتجسد في اكتشاف جنود يهود قاتلوا مع الجيش السوفياتي الأحمر، (وكانوا شيوعيين حتما)، وفي إقامة نصب تذكاري لهم في نتانيا جاء الرئيس الروسي شخصيا من أجل افتتاحه، قبل أن يتوجه في اليوم التالي الى حائط المبكى، ليشهد حسب تعبيره على التاريخ اليهودي في حجارة القدس المحتلة، الذي لم يسبق لأي روسي أو أي أرثوذكسي أن لاحظه من قبل! والذي أثار غضبا فلسطينيا مسيحيا وإسلاميا مكتوما.
خطا الرئيس الروسي الخطوة الاولى المهمة نحو الشراكة الجديدة مع إسرائيل، التي رسخها حتى عندما زار بيت لحم وكنيستها القديمة ونهر الأردن ومزاره الديني الجديد، وعقد لقاءاته البروتوكولية مع القيادتين الفلسطينية والاردنية، التي ردد بعدها بشكل غير مباشر نصيحة أميركية تقليدية عن الحاجة الى المفاوضات الثنائية بين طرفي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بدل التطلع الى مؤتمرات سلام دولية لا تجدي نفعا، لا سيما اذا عقدت في موسكو
جاء الرئيس الروسي الى الاراضي المقدسة مؤمناً، فعاد منها متعصباً.
 
 

السابق
سيولة ضخمة
التالي
موفاز يلتقي عباس الأحد في رام الله