ليلة القبض على الإستراتيجية الدفاعية!

دشّن «أصحاب السوابق» شهر العسل الأمني. وفّروا الجهد على الجيش وقوى الأمن. واحتفاءً بالحلقة الثانية من المكسيكي حول الاستراتيجية، أحيوا ليلة ناريّة أقفلت نِصف زواريب بيروت… كلّ ذلك، ودولة «أبو ملحم» نائمة!

إذا كانت مقابلة الشيخ أحمد الأسير، يوم الأحد، عبر تلفزيون "الجديد"، مسيئة إلى المشاعر ومثيرة للفتنة، فالأحرى أن يتذكّر البعض أنّ هناك قانوناً في لبنان يعاقب على هذا العمل، وأن يطالب بتطبيق القانون على الأسير وعلى المؤسّسة الإعلامية، علماً أنّها كانت تنصّلت من مضمون المقابلة واعتذرت عمّا تضمّنته من إساءات.

ولكن في "دولة أبو ملحم"، استثارة المشاعر والإساءة إلى الكرامات أصبحتا أمراً عاديّاً. لذلك، فالفلتان طبيعي. ويصبح حتميّاً انتقال هذا الفلتان، في أيّ لحظة، من المستوى السياسي – الإعلامي إلى المستوى الأمني – الفتنوي.

وهذا ما وصل إليه الوضع في الليلة التي ارتكبت فيها "دولة أبو ملحم" خطأ اعتقال "البطل" الذي اعتدى، مع رفاق آخرين، على تلفزيون "الجديد".سأل الجميع ليلة الإثنين: أين الدولة؟ أين هي من الإساءة التي ارتكبها الأسير، والإساءة التي سبقتها وأعطتها التبرير، والإساءة المتمادية بعنتريات السلاح، والعنتريات التي تسند ظهرها على امتلاك السلاح… وأين الدولة من كلّ عمليات الخطف والتوتير والتفجير والتهديد؟

المثير فوق كلّ شيء، هو أنّ وسام علاء الدين، الذي يحمل لقباً هو "البطل" وله "فايسبوك" يدلّ إليه، والمعروف من نصف أهل بيروت، هو ورفاقه، لم يعترف به أحد. وحتى في "الأدبيات الرسمية" تلك الليلة وردت تسميته هكذا: "مِن أصحاب السوابق".

وعندما تمّ قطع الطرق في شارع بشارة الخوري وزقاق البلاط والرينغ وفردان ومناطق أخرى احتجاجاً على اعتقاله، سأل الجميع: إذا كان الذين قطعوا الطرق تجمعهم بـ"البطل" قضية واحدة وعنوان واحد، فهل يعني ذلك أنّ "السوابق" هي التي تجمعهم، أي أنّهم جميعاً "أصحاب سوابق"؟ وتالياً هل بات "أصحاب السوابق" يشكّلون حزباً أو تيّاراً كبيراً وفاعلاً وقادراً على التواصل والتحرّك إلى هذا الحدّ؟

يقتضي على "الدولة اللبنانية"، وفي حوزتها عنصر من "أصحاب السوابق" أن تكشفه هو و…"أصحابه"، إذا كانت تريد إنقاذ لبنان من الفتنة التي ستنفجر يوماً. والفتنة ستنفجر، ما دام علاجها التأجيل والهرب من المشكلة، وما دام الاحتقان يتزايد في شكل خطر، وما دام التمسّك بالسلاح المعروف الهويّة والانتماء بات يستدرج سلاحاً مجهول الهوية والانتماء.

وما جرى على الطاولة المسمّاة "طاولة الحوار" ظُهر الإثنين، وطريقة تعاطي "الدولة" معه، يفسّر تماماً لماذا جرى ما جرى ليلة ذلك اليوم في شوارع بيروت. فالسلاح خرج سالماً من الجلسة الثانية، وارتاح لاقتناع 14 آذار بأنّه فريق "قَنوع"، وأنّه "لا يَزْعَل" ولا يغادر الحوار. وعلى الوعد، يبدو هذا الفريق مستعدّاً "لمكارمة" رئيس الجمهورية والبقاء على الطاولة إلى ما شاء الله. أي إنّ فريق 14 آذار ينفّذ ثمّ يعترض. وهذا مثاليّ لأصحاب السلاح.

لذلك، فإنّ إلقاء المسؤولية على "الدولة" وحدها غير واقعي وغير عادل. وتتحمّل 14 آذار بسياساتها منذ سبعة أعوام الجزء الأساسي منها. فعشيّة الجلسة الثانية، رشح تحذير عن هذا الفريق: سنخرج جماعيّاً من الحوار، إذا لم نلمس جدّيةً في مناقشة ملف الإستراتيجية الدفاعية والسلاح. ولكن، على رغم هذا التحذير، ما زال الجميع في الحوار… حيّاً يُرْزَق!

وهناك واحد من احتمالين لتفسير استمرار 14 آذار في الحوار: إمّا أنّها ما زالت مقتنعة، بأنّ "حزب الله" سينخرط فعلاً في مسيرة البحث عن إستراتيجية دفاعية تقود إلى معالجة أزمة السلاح. وإمّا أنّها غير مقتنعة بذلك، لكن لها ضروراتها للمشاركة في الحوار.

الاحتمال الأوّل معدوم. وقد نفاه "حزب الله" نفسه، عشية الجلسة، على لسان النائب حسن فضل الله، إذ قال جازماً: "منفتحون لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، لكنّنا لا نحاور حول سلاح المقاومة". أمّا الاحتمال الثاني، فيعني أنّ 14 آذار مضطرّ إليها لمراعاة رئاسة الجمهورية والقوى العربية والدولية، فلا يتحمّل المسؤولية عن تعطيل الحوار. وإلّا فإنّه أيضاً يراهن على كسب الوقت، تمهيداً لمتغيّرات إقليمية يتوقّعها في مصلحته، أبرزها سقوط نظام الرئيس بشّار الأسد.

أيّاً يكن السبب في استمرار تمسّك 14 آذار بالحوار، فإن "حزب الله" بدا مطمئنّاً تماماً في "ليلة القبض على الاستراتيجية الدفاعية"، وطبيعي أن يكون هو نفسه فخوراً بقدرته على دفع 14 آذار إلى حيث يريد، حين يريد. وكان أنصار "حزب الله" ترجموا هذا الشعور بالاستقواء صبيحة الحوار بهجوم جديد جريء على أملاك للكنيسة المارونية في لاسا.

"أبو ملحم" في الدولة، وفي 14 آذار، وفي الجهات المعنية بأراضي الكنيسة في لاسا. فهنيئاً للسلاح مفعوله السحري في تحويل الناس إلى "أبو ملحم".  

السابق
فتاوى مرفقةً بالتهديدات
التالي
مديرك يقتلك؟ انت واحد من ملايين