حنين… إلى الكرز!

قد يبدو من المبالغة المضحكة اتهام النظام السوري بالحنين الى الوصاية على لبنان فيما هو يفقد السيطرة على معظم الاراضي السورية. ومع ذلك ثمة كثير من الرمزية في هذا الحنين تتكشف مع "تفرغه" لموجات الاختراق الميداني للحدود الشرقية والشمالية اللبنانية. وهي رمزية لا تتصل بالخصوصية السورية – اللبنانية وحدها بل بالاطار التاريخي لمبدأ "الامن الاستباقي" الذي كان الاساس والدعامة في الوصاية السورية الطويلة على لبنان.

فمن باب الحقائق الموضوعية وحدها، تتمايز سوريا عن سائر البلدان العربية التي ضربها مد الثورات بان انفجارها الداخلي لا يمكن عزله عن النتائج الكوارثية لوصاية نظامها على لبنان وانسحابه منه. تلك الوصاية كانت تستقي في سنواتها الاخيرة دعامتها الدولية من مبدأ الحروب الاستباقية والوقائية التي اتبعتها الولايات المتحدة بعد 11 ايلول في افغانستان والعراق. ولم يكن تفصيلا نافلا وعابرا ان تنفجر سوريا على وقع انهيار هذا المبدأ والانسحاب الاميركي من العراق.

مفاد ذلك ان حالة الانكار المذهلة التي يعيشها النظام السوري في عز الانهيار هي التي تقوده بفعل ما كان يصفه غسان تويني بـ "طبائع الاستبداد" الى الحنين القاتل الى لبنان، فتراه في عز حملات "التطهير" للمعارضة، يتفرغ لمزرعة كرز في خراج عرسال ليخطف منها مزارعا. الخلفية التاريخية للوصاية على لبنان ليست وحدها ما يدفع "بطبائع" النظام الى الاستهانة بالقطر الشقيق، بل لكونه يدرك في عز محنته ان سلطات هذا القطر هي اضعف واعجز من ان ترشقه باكثر من وردة. حتى ان اكثر من نصف السلطة وما يوازي نصف القوى السياسية الحليفة للنظام لا يزال هو الاخر في حالة مكابرة مماثلة لما يجري في سوريا. يكاد النظام يستفيق من هذا العارض القاتل بعد خراب سوريا فيما غلاة الغيارى عليه في لبنان لا يعترفون بتحلل سلطته تدريجا. لا بل ان اياما قليلة فقط عقب "اعلان بعبدا" كانت كفيلة باظهار زيف الالتزامات لمجرد ان الغيارى والحلفاء يأخذون تلقائيا بالجانب السوري "النظامي" في اتهام جهات ومناطق لبنانية بأنها تحولت "المنطقة العازلة".

اما السؤال عن "حضور" السلطة العسكرية والامنية على الحدود، فهو اشبه بمعزوفة مملة رتيبة لا طائل منها ما دامت منظومة الذرائع الخشبية جاهزة وما دام لبنان الرسمي ادى قسطه للعلى لمجرد ان "طير" اعلان بعبدا برقيا وكتابيا الى الامم المتحدة وجامعة الدول العربية التي لم تنجح بعد في العثور على مسمى جديد لها بعد انفراط سائر الامم العربية من قبضتها. فمن يسابق من في حمى الانكار المزدوج هذا؟  

السابق
تقهقر أوباما انتخابيا
التالي
الدرع الواقي للعسكر