حزب الله كالعادة يخوِّن ويهدّد

يبدو أننا أصبحنا في زمن، أو بالأحرى في بلد، لم تعد فيه للكلمة الحرّة مكان، واليد التي تحمل قلماً لتدافع من خلاله عن القيم والمبادئ والحقائق أصبح قطعها واجباً، إن لم نقل قتل صاحبها، بينما اليد التي تحمل سلاحاً لتعتدي على أبناء وطنها أصبحت مقاومة، لا بل وصل الأمر إلى حد إعلان قدسيتها

بالأمس شنّ «حزب الله»، عبر إحدى المواقع الإلكترونية التي تعتاش على فُتاته، حملة جنونية على صحيفة «الجمهورية» وعليّ شخصياً كاتب هذه السطور، واتهمنا بالحقد وفَبركة معلومات بحق المقاومة والتآمر ضدّها، حتى ظنّ القارئ أنّ «الجمهورية» على وشك شنّ هجوم صاروخي قريب على أهداف تابعة للحزب ولمقاومته، متذرعاً بنشرنا معلومات وأخباراً تعطي إسرائيل ذريعة لضرب مناطق محددة في الضاحية الجنوبية، الأمر الذي يعتبر تهديداً مباشراً لحياة كل زميل صحافي لا تتوافق كتاباته مع سياسة الحزب الإلهي المنزّه عن الأخطاء وحتى الأحقاد.

لقد نسي «حزب الله» أن الكلمة الحرّة والصادقة التي ما زلنا نرفعها كانت الداعم الأساسي له في المحافل كافة، والتي كانت تتطلب موقفاً جريئاً تسانده في زمن أزماته وإخفاقاته وصولاً إلى «انتصاراته». لكن بعدما استدارت وجهة هذا السلاح المقاوم إلى الداخل اللبناني، وقفت له الكلمة بالمرصاد، لعلّها توقظ فيه صوت ضمير ما عاد يسمع صوته منذ تموز العام 2006، وذلك من منطلق أنصر أخاك ظالماً كان او مظلوماً.

هكذا يتحرك «حزب الله» في الليالي الظلماء، هو عنوان التحقيق الذي أثار حفيظة الحزب، والذي تناولنا فيه طريقة إدخال السلاح إلى الضاحية الجنوبية وطريقة توزيعه على بعض حلفائه، إضافة إلى التصاريح التي يلقيها نوّابه خلال لقاءاتهم الحزبية، علماً أن ما ذكرناه هو حديث الشارع اليومي وعنوان رئيسي لكلّ خبر صحافي داخلياً وخارجياً.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف لحزب يتباهى في العلن عند كل فجر بزيادة عديده وعتاده أن يخشى تحقيقاً تطرّق إلى تفريغ شاحنة سلاح من أصل آلاف الشاحنات التي تصل في الليل والنهار وتحت أعين الجميع بما فيهم إسرائيل نفسها؟

وطالما أنّ الحزب تباهى في إثارة الرعب في الداخل الإسرائيلي، فلماذا لم يعتبر هذا الأمر دعاية غير مدفوعة في ما يحبّ أن يسمّيه الحرب النفسية ضد العدو؟ وهل حقيقة أن «حزب الله» فعلاً غاضب ممّا نُشر، أم أنه متأكد أن كل كلمة وردت تصبّ في مصلحته وليس ضدها؟

لماذا يكلف الحزب أحدى أبواقه بالرد والتخوين والتهديد؟ ولماذا لم يلجأ هذه المرّة الى القضاء، خصوصاً أنّ نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم سبق وأن رفع دعوى قضائية ضدي على خلفية تحقيق تطرّقت فيه إلى تفشي المخدرات داخل الضاحية استناداً إلى الهواجس التي كان طرحها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله؟

ها هو «حزب الله» يزيد من عمق أزماته الداخلية، فبعد اتهامه لفئة كبيرة من اللبنانيين بالعمالة لإسرائيل وأميركا، إذا به يخوّن ويهدد ويدير سلاحه نحو الكلمة الحرة. إنّ الصمت خيانة.  

السابق
النهار: أمين معلوف دخل الاكاديمية الفرنسية
التالي
لقاء مرتقب