خطف على الهوية!

مجرد استخدام العبارة يثير الرعب ويصيب بالقشعريرة ويحيي أسوأ ذكريات الحرب الاهلية: الخطف على الهوية، ليس حدثا امنيا، ولا هو تعبير عن انهيار الدولة وزوال هيبتها كما يتردد الان. انه انحطاط للمجتمع الى أدنى غرائزه وعصبياته.
كان يفترض ان لبنان شفي من هذا الوباء الذي ضربه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكان يعتقد ان اللبنانيين تخطوا ذلك السلوك الهمجي، الذي كان في اصل اشتقاق كلمة اللبننة وإدراجها في قاموس الحروب الاهلية الأشد ضراوة ووحشية في مختلف أنحاء العالم.

لكن الخطف على الهوية عاد وكأن شيئا لم يكن، وهو يكاد يتحول الى خبر عادي، يدرج في سياق اخبار الأمن الجنائي او جرائم السطو او الدعارة او المخدرات… بعدما كانت ظاهرة تتكرر بين الحين والآخر في لبنان، كما في سائر دول العالم، حيث يجري خطف الأغنياء لطلب فدية مالية، وان كانت قد سجلت في الفترة الماضية معدلات قياسية، في عدد من المناطق اللبنانية، نظرا لاتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء.
يمكن نسبة الخطف على الهوية الى الأزمة السورية التي اتخذت منذ اشهر شكل صراع طائفي مكشوف لا يرحم، ويتسرب الى لبنان… علما بان سلوك ذوي المخطوفين اللبنانيين الـ11 ومراجعهم السياسية والدينية ينم عن قدر كبير من الوعي والحكمة، برغم يقين الجميع ان خطفهم جرى بدوافع طائفية لا شك فيها.

لكن هذا الوعي الذي انتهكه المعتدون على الطلاب والعمال والنازحين السوريين في بعض المناطق اللبنانية، لم يسهم في تبديد خطر الخطف على الهوية الذي لا يزال يحال حتى الان الى نزاع الهويات اللبنانية والسورية التي وضعت في مسار تصادمي مفتوح… مع ان التدقيق في ما يجري في طرابلس والشمال عموما لا يدع مجالا للشك في ان الخطف بات يدور ضمن الهوية الوطنية وحتى السياسية الواحدة، من دون اي اعتبار لما يدور وراء الحدود التي يهرب اليها الخاطف حينا والمخطوف احيانا.
بديهي القول ان تلك الحدود تتحول يوما بعد يوم الى جبهة مواجهة لن يكون من السهل إقفالها حتى بعد تغيير النظام السوري، بل يرجح ان تظل جبهة حرب وقصف وتوغل متبادل حتى يتوصل البلدان والشعبان الى ترسيم نهائي للحدود والأدوار والمصالح بين النظامين اللذين يتباعدان اليوم اكثر من اي وقت مضى

ثمة من يعتقد ان تلك الجبهة المفتوحة لا تعدو كونها تعبيرا طبيعيا عن اضطراب العلاقة التاريخية بين الأقضية الاربعة وبين ولاية الشام، وهي لن تمتد باي حال من الأحوال الى بيروت او الجبل او الجنوب طبعا. لكن تجربة العقود القليلة الماضية تدحض هذه النظرية، وتمهد لاستخدام الهويات اللبنانية المتعددة اداة رئيسية وحيدة في الحرب الاهلية السورية، التي لن تستثني نتيجتها ايا من الأقضية اللبنانية.
الخطف على الهوية ليس حدثا عابرا يمكن معالجته بالحوار الوطني، ولا حتى بالأمن الوطني… انه شاهد على خروج لبنان من اي سيطرة.  

السابق
النهار: الحوار يستعيد الانقسام على معضلة السلاح وإعلان بعبدا ميثاق التزامات لتحييد لبنان
التالي
السفير: إعـلان بعبـدا: كلهم تحـت سـقـف النـأي بالنفـس