أيام صعبة

يزداد الوضع اللبناني خطورة بزيادة تدخّل الافرقاء اللبنانيين في الازمة السورية، وما يُسجَّل من حوادث أمنية متلاحقة يدلّ على ان الصراع في سوريا وعليها، بدأ بالامتداد الى الداخل اللبناني الهش والقابل للانفجار بسرعة وفي أي لحظة.
وتكاد الضوابط تتلاشى لأنّ الغريزة الطائفية تغالب المنطق الوطني، والأجندات الخارجية تغلب الاستحقاقات الداخلية.

لا إطلاق شادي المولوي، اذا تم، سيهدىء الشارع الطرابلسي، ولا محاسبة المسؤولين عن حادثة مقتل الشيخ عبد الواحد والشيخ مرعب ستخمد بركان غضب أهل عكار المنسيين في ابسط حقوقهم الانمائية والاجتماعية.

فأهل الشمال يشعرون بأنهم مستهَدفون، مطارَدون، يُلاحَق شبابهم، يُكفَّرون ويُتهمون بأنهم تكفيريون، يُصادَر السلاح في أيديهم ويُشرّع في ايدي سواهم، يوسَمون بالإرهاب ويُهدَّدون بالعقاب، يحظَّرون من التعاطف مع أخوانهم من أهل السنّة في سوريا، ويحذَّرون من دخول الجيش السوري مجددا الى منطقتهم بحجة منع تحوّل عكار من بيئة حاضنة لمناهضي النظام السوري الى منطقة عازلة تشكل قاعدة لانطلاق عمليات عسكرية الى الداخل السوري.

إزاء هذا الشعور الذي رفع منسوب التوتر الى درجات غير محسوبة، انكفأ الحل السياسي على مستوى السلطة اللبنانية التي يريد بعضها حسم هذا الواقع أمنياً وميدانياً، وهذا يعني زجّ الجيش اللبناني ووضعه في مواجهة أهله من طرابلس الى عكار.

الحل الأمني لم ينجح في سوريا، ولا يمكن ان ينجح في لبنان، لأن المشكلة ليست في الأمن اساساً وإنما في السياسة، ولا بد من ان تعالج سياسياً.

والمشكلة ليست بين الجيش والقوى السياسية أو أهل المنطقة، وإن كان البعض يصوّب سهام الاتهام على الجيش.

أما في شأن الحديث عن إمكانية عودة القوات السورية الى لبنان، فهذا مجرد تخويف لا أكثر، لأن واقع الجيش السوري حاليا لا يسمح له بخوض مغامرة كهذه إضافة الى ان لا قرار دولياً بذلك، بل على العكس ستكون هناك ردة فعل دولية تعرف دمشق خطورتها وعدم قدرتها على تحمّل كلفتها.

مرجع أمني كبير يؤيد هذا الواقع، ولكنه لا يخشى انفلات الوضع الأمني في بيروت في هذه المرحلة (على رغم ما حصل في اليومين الماضيين)، مستغرباً تضخيم التقارير عن وجود كوادر لتنظيم القاعدة والحديث عن تحركها في لبنان، ومنه في اتجاه سوريا، وفي الوقت ذاته يطمئن الى ان الجيش اللبناني وقوى الامن لن يتساهلوا في الأمن.

لكن النيّة وحدها لا تكفي والتحذير لا يجدي، ما دام "النأي بالنفس" شعاراً لا تريد السلطة السياسية تحقيقه او انها لا تملك ولا تجرؤ على احترامه، وما دامت القوى المهيمنة على "الاكثرية الافتراضية" لم ترَ بعد ضرورة التخلّي عن الحكومة الراهنة لتشكيل حكومة إنقاذ لحماية لبنان من التحديات الخطيرة التي تهدد أمنه ووحدته وسيادته ومستقبله.

الآتي صعب ودقيق جدا، وسيزداد خطورة اذا تكرّس الواقع المستجد منذ اسبوعين، والذي ربط بين الشمال اللبناني والداخل السوري.

وما قرار الكويت وقطر والامارات والبحرين بتحذير مواطنيها من السفر الى لبنان الّا خطوة اولى من أثمان سيدفعها اللبنانيون في حال تورّطهم أكثر في الأزمة السورية وتجاهل ضرورة الإسراع في حكومة إنقاذ، استباقاً لانفلاش السلاح وانفجار الوضع في شكل أوسع.

السابق
اعتصام جديد لاهالي المعوّقين
التالي
رحلة الخروج من الدولة