كيف يتخلص الصينيّون من الإمبراطور السيئ؟

لأكثر من ألفي عام، ظلّ النظام السياسي الصيني متمحوراً حول بيروقراطية مركزية شديدة التعقيد، أدارت ما كان دائماً مجتمعاً شاسعاً، إنما بأسلوب ينطلق من القمة إلى القاعدة. أمّا ما لم تطوّره الصين قط، فيتصل بحكم القانون، عبر مؤسسة قانونية مستقلة من شأنها تقييد حرية تصرف الحكومة. ذاك ان الصينيين استبدلوا بيروقراطية محدّدة بقواعد وأعراف – ما جعل سلوكها قابلاً للتنبؤ بشكل معقول – بالضوابط الرسمية للسلطة. هذا علاوة على نظام قيمي كونفوشيوسي يعلّم القادة السعي من أجل المصلحة العامة، بدلاً من المطامع الخاصة. هذا النظام، في جوهره، هو عينه النظام القائم اليوم، مع تبوُّء «الحزب الشيوعي» سدة الحكم في الإمبراطورية.
فالمسألة التي لم تستطع الحكومات الصينية حلّها يوماً تتعلق بما كان يصطلح على تسميته تاريخياً بمشكلة «الإمبراطور السيئ». فالنظام التعليمي الكونوفشيوسي كان يفترض به تعليم القادة، لكن بين الحين والآخر كان ينبثق بعض القادة الفظيعين، كالإمبراطورة وو التي قتلت الكثيرين من أسرة تانغ الارستقراطية.

غير انه من وجهة نظر صينيين كثر، كان ماو تسي تونغ آخر إمبراطور سيئ حكم الصين. إذ أطلق العنان لمعاناة لا توصف بين الناس، نظراً لكون سلطته لم تتعرض للتدقيق حتى وفاته في العام 1976. القواعد الحالية التي تحكم صناعة القرار والقيادة في أعلى هرم الحزب تعكس هذه الخبرة: المسؤولية يتشاطرها الأعضاء التسعة الممثلون في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي؛ ثمة 10 سنوات كحد زمني لفترة حكم الرئيس ورئيس الوزراء؛ ولا يمكن أحداً ممّن تجاوز عمره الـ67 عاماً أن يكون عضواً في اللجنة الدائمة. هذه القواعد صممت للحؤول دون صعود نجم ماو تسي تونغ آخر، بحيث يستطيع استخدام سلطته الشخصية للهيمنة على الحزب والبلاد في آن. ما يعني ان النظام السلطوي الصيني متميز، نظراًَ لكونه يتّبع قواعد في ما يخص فترة الحكم فضلاً عن التعاقب على المواقع.

ولهذا السبب شكّل بو شي لاي، الذي تعرض للتنحية في الآونة الأخيرة، تهديداً للنظام. فمن خلال استعمال قاعدته في تشونغتشينغ، وظّف الإعلام لبناء سلطته الخاصة، التي كانت قوية بالفعل بالنظر إلى وضعه كأمير، أو كنجل لبطل ثوري. فقد كان عديم الرحمة في استخدام سلطة الدولة لملاحقة لا المجرمين أو المسؤولين الفاسدين فحسب، بل رجال الأعمال وخصومه أيضاً، الذين راكموا الكثير من السلطة والثروة. وبخلاف مواطنيه الرماديين كان بمقدوره الهيمنة على قيادة «الحزب الشيوعي الصيني» بواسطة قاعدة سلطة مستقلة فيما لو رُقّي إلى اللجنة الدائمة. بناء على ما تقدّم، يغدو ذا مغزى أن يقوم هو جينتاو والقيادة باستعمال الفضيحة لإطاحة بو شي لاي من الاهتمام، وتالياً التخلص من الإمبراطور السيئ قبل تولّيه العرش. وكشفت الحادثة عن مشكلة عميقة في الصين ـ الافتقار الى مؤسسات رسمية والى حكم قانون حقيقي. فالقواعد المتبعة من قبل القيادة الصينية لا هي موجودة في الدستور، بشكل واضح ومحدّد، ولا هي مفروضة من قبل نظام قضائي. وهي إنما تشكّل القواعد الداخلية لـ«الحزب الشيوعي الصيني»، والتي يستدل عليها من خلال سلوكه. ولو ان بو نجح في الوصول الى اللجنة الدائمة، لكان نجح في إبطالها.

هذا يعني أن المأسسة الظاهرة للنظام السلطوي الصيني هي الى حد كبير مجرّد وهم. فالحزب الشيوعي لم يحل مشكلة الإمبراطور السيئ، ولن يفعل حتى يقوم بتطوير حكم قانون حقيقي، مشفوع بكل أشكال الشفافية والمأسسة الرسمية التي يقتضيها هذا الأمر.
ففي نهاية المطاف، القواعد غير الرسمية الملحوظة من قبل زمرة داخلية لا تشكّل في الواقع بديلاً من سيادة القانون الرسمي.

السابق
أنصار تحي اسبوع سميح فياض
التالي
منزل مهدّد بالانهيار في حاصبيا