إنذار خليجي

ليس من المستحب أبدا أن يصنّف لبنان ودولته وحكومته ومؤسساته الأمنية كامتداد للنظام في سوريا، لكن هذا بالفعل ما يمثله القرار القطري والإماراتي والبحريني بالطلب من مواطني بلدان الدول الشقيقة الثلاث بمغادرة الأراضي اللبنانية وعدم التوجه اليها، لأسباب أمنية ذات بعد سياسي لا جدال فيه.
وليس من الغريب أيضاً أن يكون لبنان هو الذي ارتكب الخطأ بحق الدول الثلاث وبحق بقية دول مجلس التعاون الخليجي، عندما دخل في مواجهة علنية مباشرة معها، بسبب موقفها من النظام السوري، وصلت الى حد الاتهام بتشجيع وتمويل وتسليح تنظيم القاعدة وشبكاته، في استعارة حرفية للخطاب الرسمي السوري، ومن دون الأخذ في الاعتبار حقيقة بسيطة ومعروفة وهي أن الخليجيين تحديدا يتصدرون اليوم الحرب العالمية على ذلك التنظيم وتلك الظاهرة.
وبدلا من ان يتم التراجع عن الخطأ والاعتذار من الدول والمواطنين الخليجيين الذين أدرجتهم السلطات اللبنانية على لائحتها للإرهاب، وشرعت في ملاحقتهم، جرى تبسيط القرار الخليجي بمقاطعة لبنان واعتباره انفعالا غير مبرر، يمكن ان يزول بسرعة عندما تهدأ النفوس وتعود الامور الى مجاريها الطبيعية.. باعتبار ان لا غنى لأهل الخليج عن لبنان كمقصد سياحي.

وحسب هذا المنطق اللبناني، فإن السياحة ستكون أقوى من السياسة، التي انتهك لبنان محرماتها عندما خرق قراره الخاص بالنأي بالنفس عن الأزمة السورية والتحول الى طرف في مواجهة تسللها المتزايد الى عمق الاراضي اللبنانية، وصولا الى طرابلس التي لم يتردد الخليجيون في القول ان معركتها الراهنة هي مسعى سوري للتدخل في لبنان ونقل الصراع اليه، على ما جاء في تصريح أخير لوزير الخارجية السعودية الامير سعود الفيصل.
في القرار الخليجي ما يشكل جرس إنذار الى لبنان، بأن سياسة النأي بالنفس التي تفهّمها وتسامح معها الأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب، لم تعد تسير في الاتجاه الصحيح. ثمة من يقول إنها لم تكن يومها تسير في ذلك الاتجاه، لأن جوهرها ان تلتزم الدولة اللبنانية حيادا كاملا، وأن تمنع خرق الحدود في الاتجاهين، لا في الاتجاه السوري وحده، وأن تحترم على الاقل الضحايا اللبنانيين الذين يتساقطون كل يوم تقريبا بنيران سورية معروفة المصدر، وأن تتولى وحدها رعاية النازحين السوريين بحيث لا تسمح لأي حزب او تيار او تنظيم بأن يزايد عليها او ان يتجاوزها.

في المذكرة الرسمية السورية الاخيرة الى الامم المتحدة افتئات صريح على لبنان ودوس على أقدام السلطة اللبنانية، قبل ان تكون افتراء على الخليجيين والليبيين والتونسيين والأتراك الذين يسهمون علنا بإغاثة النازحين السوريين الذين فاق عددهم قدرة لبنان وطاقته. ولعل أبرز ضحية لهذه المذكرة هو الرئيس نجيب ميقاتي، الذي بات في وضع لا يحسد عليه، لا سيما أنه رد عليها ببيان جريء لن يكون وقعه حسنا لدى اي من حلفائه اللبنانيين ومراقبيه السوريين.
ليس القرار الخليجي سحابة صيف عابرة.

السابق
أنا عمر… إسمي عمر
التالي
قاطيشا للـ”mtv”: مشروع العبور نحو الدولة يصطدم بألغام سورية من بينها سلاح “حزب الله”