السفير: طرابلس ـ الضحية: هدنة مهزوزة تفضح عجز الطبقة السياسية

لعل غبار أحداث طرابلس وضجيج اللغة المذهبية السائدة منذ سنوات، سيحولان دون ان يتنبه الكثيرون لدلالات هذا اليوم، الذي يصادف السابع عشر من أيار، تاريخ توقيع الاتفاق المشؤوم مع العدو الاسرائيلي عام 1983. يومها، وبرغم كل تداعيات الاجتياح، كان اتجاه البوصلة واضحا، وكانت هوية العدو محسومة، من دون أي التباس او تردد. صحيح ان الاحتلال كان جاثما آنذاك على مساحات واسعة من الارض اللبنانية، ولكن الصحيح ايضا ان المناخ المعادي له كان مناخا عابرا للمذاهب والطوائف، فهبّ لبنانيون من انتماءات عدة، لمواجهة هذا الاحتلال وإجهاض اتفاق 17أيار.

أما اليوم، فإن العدو الاصلي يكاد يُستبدل بأعداء وهميين صنعتهم الغرائز المذهبية والطائفية، تحت وطأة الاصطفافات الحادة التي حوّرت اصل الموضوع وجوهر القضية، فاستحال «الآخر» أشد خطرا من إسرائيل، وباتت جبهة جبل محسن – باب التبانة في طرابلس أكثر استقطابا وجاذبية من جبهة الصراع مع العدو الذي ما يزال يحتل جزءا من الارض اللبنانية، ناهيك عن فلسطين وأجزاء من الاراضي العربية.
وبرغم انتشار الجيش اللبناني في المناطق الساخنة في طرابلس، إلا ان التوتر بقي قائما أمس، على وقع اشتباكات متفرقة ومتقطعة، عكست صعوبة الوضع في المدينة، وأثبتت ان المعالجة الحقيقية سياسية بالدرجة الاولى، وهذا ما عكسه الرئيس نجيب ميقاتي بصراحة عبر قوله في مجلس الوزراء إن النار ما تزال تحت الرماد، وإنه غير مطمئن.

وبعدما نجح الجيش في احتواء حالة التوتر، ومع توصل الوزير مروان شربل واللواء أشرف ريفي الى اتفاق مع المشايخ السلفيين على فتح الطريق عند مكان الاعتصام في ساحة عبد الحميد كرامي… تجددت الاشتباكات أمس على محاور باب التبانة وجبل محسن وحي البقار، بعد إطلاق النار على الجيش وعلى الأهالي في شارع سوريا، الامر الذي أدى الى سقوط سبعة جرحى بينهم جندي، وسط حالة من الرعب في صفوف المواطنين، ما دفع الى التساؤل حول من أطلق الرصاص على الشبان والجيش في التبانة؟ وهل هناك «طابور خامس» يمارس لعبته على خطوط التماس؟

وأفادت قيادة الجيش انه «إثر إقدام عناصر مسلحة في مناطق جبل محسن والتبانة والقبة على تبادل إطلاق النار، قامت وحدات من الجيش بالرد على مصادر النار بدقة، كما نفذت ولا تزال عمليات دهم سريعة للمباني التي يجري منها إطلاق النار، حيث تمكنت من توقيف عدد من المسلحين وضبط الاسلحة والذخائر التي كانت بحوزتهم وقد أصيب من جراء الاشتباكات أحد الجنود بجروح غير خطيرة». ونفت انسحاب وحدات الجيش من شارع سوريا او أي مكان آخر.
وأفاد مراسل «السفير» في طرابلس أن الاشتباكات تجددت بعد منتصف الليل على محور الحارة البرانية ـ حي الأميركان حيث استخدمت الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية التي سمع دويها في مختلف أرجاء المدينة. وعمل الجيش اللبناني على الرد على مصادر النيران، لكن الاشتباكات استمرت بفعل الظلام وعدم قدرة الجيش على التطويق بشكل واسع.

شربل: الوضع هش
وقال الوزير شربل لـنا، بعد عودته من طرابلس، ان الوضع في المدينة ما يزال هشا، مشددا على ان الحل الجذري يكون سياسيا، اما الحل الأمني فهو مكلف ولا يعالج اصل المشكلة. ودعا جميع الاطراف في طرابلس، من 8 و14 آذار، الى التوقيع على وثيقة شرف لحماية المدينة ومنع زجها في صراعات جانبية، لافتا الانتباه الى انه لا يصدق ان الجميع صادق فعلا في رفع الغطاء عن المسلحين.
وأوضح انه خاض مفاوضات لمدة سبع ساعات مع المجموعات السلفية لإقناعها بفتح الطريق في مكان اعتصامها، مشيرا الى انه من الطبيعي ان تؤخذ إفادة الموقوف شادي المولوي مرة أخرى بحضور محاميه، بعدما أخذت منه في المرة الأولى بغياب المحامي.

وفي سياق متصل، ابلغتنا مصادر واسعة الاطلاع ان هناك متابعة أمنية دقيقة لخيوط متوافرة لدى الأجهزة المختصة، حول تحركات مشبوهة لبعض المجموعات المتطرفة، التي ربما كانت تستعد لتنفيذ عمليات تخريبية على الساحة اللبنانية، موضحة ان قيادات بارزة في 8 و14 آذار ومرجعيات رسمية، تبلغت من الجهات الامنية الرسمية تفاصيل دقيقة حول هوية هذه المجموعات واستهدافاتها المحتملة.

السابق
رئيس حكومة طرابلس فقط محظوظاً وملعوناً
التالي
اعتقال المولوي:عملية مافيوية أم نظيفة قانونياً؟