المواجهة بدأت

لا يمكن قراءة أحداث طرابلس بمعزل عمّا يجري في سوريا، ولا يصح اعتبارها إلّا مؤشراً لخطورة المرحلة المقبلة التي يُراد لها ان تكون مرحلة السيطرة على البيئة الخلفية الداعمة للمعارضة السورية.

ولا يبدو أن المواجهة ستقتصر على مساحة طرابلس أو الشمال، ولا على المستوى الميداني الأمني فقط. فسياسة النأي بالنفس صدر قرار إسقاطها، وما يحصل اليوم هو تنفيذ هذا القرار في منطقة حسّاسة مذهبياً وسياسياً، وقابلة للاشتعال والانفجار لدى أي احتكاك، وتشكل خزاناً داعماً مادياً ومعنوياً وإنسانياً لمناهضي النظام السوري.

ولا يبدو ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قادر على النأي بنفسه وحكومته في هذه المواجهة، على رغم انه سيكون أوّل المتضررين منها، لأنه مطالب بتنفيذ سياسات طالما حاول تجنّبها إن على الصعيد المحلي أو على الصعيد الدولي.

ولن يجد الرئيس ميقاتي وضعاً يُحسد عليه، فلا هو يملك الحرية للاستقالة إذا رغب، ولا في يده سحب فتيل الفتنة من مدينته إذا طلب، ولا حول له ولا قوّة في مواجهة ما يتعرّض له من ضغوط للنأي بنفسه عن الوسطية. وهذا ما بدأ يترجمه عملياً في مجلس الوزراء بصمته، تاركاً رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وحده في المواجهة دفاعاً عمّا تبقى من الدولة، مدعوماً من وزراء "جبهة النضال الوطني".

ولا أحد يحسد الرئيس سليمان على ما ينتظره من تحديات وهجومات خلال ما تبقى له من مدة في عهده، حسب ما يقول زعيم لبناني بارز. فالملفات التي تصدّى لها، وأبرزها:

1 – عدم ملاحقة النازحين السوريين لأسباب إنسانية ودولية.
2 – رفض "التوقيع الأعمى" على مرسوم 8900 مليار ليرة.
3 – التمسّك بآلية التعيينات وعدم الاستسلام للمحاصصة.
هذه الملفات لن تجنبّه المزيد من الضغوط عليه في إطار معركة وضع اليد على البلد.

أما المعركة التي بدأت خيوطها تتكشف، فتتلخص بالعناوين الآتية:

1 – معاودة مسلسل الاغتيالات السياسية.
2 – تحريك البؤر الأمنية، ومنها إدخال السلاح والذخيرة بوفرة الى طرابلس لتشجيع الاقتتال.
3 – زَج الجيش في صدامات لا مبرر لها ولا مصلحة له فيها.
4 – الدفع في اتجاه تمرير صيغة النسبية والدوائر الكبرى في قانون الانتخاب بهدف تحجيم أي قوة وسطية وخنق أي صوت مستقل.
5 – الضغوط في اتجاه إتمام التعيينات الادارية للإمساك بمفاصل الدولة.
6 – توفير كل الإمكانات التي تتيح للفريق الحليف لسوريا الفوز في الانتخابات، وبالتالي الإمساك بمواقع الرئاسات والقضاء والأمن والادارة وغيرها.

وإذا كان فريق سيخوض الانتخابات ضد السلاح، فإنّ فريقاً آخر سيخوضها بالسلاح، بهدف خلق أمر واقع جديد يستبق ما يمكن ان ينتج عن الازمة السورية ويؤشر في الوقت ذاته الى المأزق الاقليمي الكبير وغياب أفق التسويات والحلول السياسية.

السابق
اعتداء!
التالي
حرب شوارع تستبيح طرابلس.. وتُنذر بالأسوأ