الشرق الأوسط : اشتباكات طرابلس تدق جرس إنذار

عاشت مدينة طرابلس اللبنانية أمس يوما من التوتر والاشتباكات المتنقلة، بدأت باحتجاجات واسعة على اعتقال أحد الناشطين السلفيين بتهمة "الاتصال بجماعات إرهابية"، وتمثلت في عمليات قطع طرق وإطلاق نار وحرق إطارات الدواليب في الشوارع، وانتهت باشتباكات استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن ذات الغالبية العلوية.
وإذ تمكنت الاتصالات السياسية والأمنية من ضبط الوضع، بقيت الأمور في ثاني أكبر المدن اللبنانية موضع شك وترقب خشية عودة الاشتباكات إلى المدينة، التي ينتمي إليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتي تشهد تجاذبات كبيرة على خلفية تأييد ومعارضة النظام السوري. في حين سارع تيار "المستقبل" إلى رفض اللجوء إلى الشارع بالتوازي مع رفضه الطريقة التي تم بها استدراج الناشط شادي مولوي الذي تم توقيفه على باب مؤسسة تابعة لوزير المال محمد الصفدي من قبل جهاز الأمن العام.
وكانت اشتباكات اندلعت بين منطقتي التبانة وجبل محسن عند الثانية من بعد منتصف ليل السبت – الأحد بعد سقوط قذيفة "إينرغا"، وأدت إلى مقتل مواطن. وأعقب ذلك إطلاق أعيرة نارية بين المنطقتين ليشتد إطلاق الرصاص وتستخدم قذائف "إينرغا" و"آر بي جي" من الرابعة وحتى السابعة صباحا بشكل كبير وعلى نطاق واسع بين المنطقتين. ونتيجة لنيران الرشاشات والقذائف، أصيب شاب عند السابعة صباحا بعيار ناري في منطقة الزاهرية بجروح خطرة نقل على أثرها إلى مستشفى المدينة.
وعملت عناصر الجيش اللبناني ومنذ اندلاع الاشتباكات على الرد بغزارة على مصادر النيران، إلا أن ذلك لم يحل دون توقف الاشتباكات. وأعلنت قيادة الجيش أنه "على أثر الاشتباكات التي حصلت فجر اليوم بين عناصر مسلحة في منطقة التبانة – جبل محسن وأدت إلى إصابة عدد من المواطنين، اتخذت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة تدابير أمنية مشددة بما في ذلك تسيير دوريات مؤللة وإقامة حواجز مكثفة"، وأشارت إلى مقتل أحد العسكريين جراء تبادل إطلاق النار بين المسلحين، أثناء انتقاله من مركز عمله في البقاع إلى بلدته في عكار. وأكدت القيادة أنها ستتعامل "بكل حزم وقوة مع العابثين بأمن المدينة واستقرارها إلى أي جهة انتموا".
وأعلن الجيش أنه أثناء قيام دورية تابعة له بفتح الطريق الرئيسي بين محلتي باب التبانة وجبل محسن، تعرضت لإطلاق نار من قبل عناصر مسلحة، مما أدى إلى جرح عسكريين اثنين، وإصابة بعض الآليات بطلقات نارية. وقد ردت قوى الجيش على مصادر النيران بالمثل.
وترأس ميقاتي اجتماعا في دارته بطرابلس التي انتقل إليها على عجل، شارك فيه الوزيران أحمد كرامي وفيصل كرامي، ومفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، وفاعليات من طرابلس وقيادات أمنية. وقال ميقاتي: "عقدنا سلسلة اجتماعات اليوم (أمس) مع مختلف الفاعليات الدينية والسياسية والعسكرية في المدينة، كما قمت بالاتصال بالنائبين محمد كبارة وسمير الجسر (من تيار المستقبل المعارض الذي يرأسه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري)، وكنا متفقين على أن أمن طرابلس خط أحمر، وطلبنا من القادة العسكريين والأمنيين القيام بواجبهم كاملا". وحذر ميقاتي من الانجرار إلى الشارع، قائلا: "لعبة الشارع خطرة وذات حدين ويمكن أن تنقلب على الآخرين وعلى أمن البلد بكل معنى الكلمة". وأضاف: "مع حرصنا على أمن البلد، كلنا سندعم القوى الأمنية والعسكرية في كل الإجراءات التي ستتخذها".
وردا على سؤال، قال ميقاتي: "تطرقنا إلى الطريقة التي تم بها توقيف شادي مولوي، وهذه الطريقة مرفوضة ومستنكرة، وسيكون لنا رأي في هذا الموضوع. أنا شخصيا ضد الطريقة التي أوقف بها. أما في موضوع التهم الموجهة إليه، فنحن نريد من القضاء أن يكون الحكم ولا نريد أن نتدخل في عمله".
واعتبر الرئيس سعد الحريري أن "ما يحصل في طرابلس يتطلب من الجميع قول كلمة الحق والتيقظ إلى أن معالجة الخطأ بخطأ أكبر منه هو جريمة ترتكب بحق المدينة ووقوع في فخ يخطط له أعداء لبنان وأعداء طرابلس"، مطالبا "الجميع بالتزام القانون ورفض الفوضى ومظاهر الخروج عن الدولة". وقال: "لن أجامل أحدا، وسأتكلم بصراحة، إن ما يحصل في طرابلس من إقفال للطرقات واعتصامات عشوائية وشهر للسلاح على أهل المدينة أنفسهم أمر مرفوض، تماما كما هو مرفوض الأسلوب الذي تم به اعتقال الشاب شادي المولوي، لكن الحل لا يمكن أن يكون الخروج عن الدولة، أو القبول بمظاهر الخروج عن الدولة، لأن الدولة كانت وما زالت مشروعنا السياسي الوحيد". وأضاف: "إن الجهاز (الأمن العام اللبناني) الذي قام بعملية الاعتقال يجب أن يحاسب قانونيا، وقانونيا فقط".
بدوره،أعلن رئيس كتلة "المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة أنه تابع تطورات الأوضاع في المدينة وأجرى اتصالات مع كل من رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي والرئيس سعد الحريري ووزير المالية محمد الصفدي ونواب وفاعليات المدينة، لوقف التدهور ووضع الأمور في إطار الضبط والمعالجة. واعتبر أن "التطورات التي تشهدها مدينة طرابلس – على المستوى السياسي أو على المستوى الأمني – تدعو للاستغراب والاستهجان، خاصة بعد أن سبقتها تصريحات ومواقف من شخصيات معروفة الاتجاه والهوى في تحالف قوى (الثامن من آذار) أشارت إلى منحى هذه التطورات المقلقة في المدينة". وقال: "نحن ننظر إلى ما جرى ويجري بعين الريبة والتوجس، من أنه قد تكون هناك نيات مبيتة وسيناريوهات محضرة نتخوف أن تكون بعض الأطراف متورطة في تنفيذها"، مشددا على أن "للقوى الأمنية الحق الكامل في العمل على حفظ الأمن وحماية المواطنين ضمن ما ينص عليه القانون والأصول المرعية الإجراء بعدالة وحكمة ومن دون انتقائية".
وعقد مجلس منسقية طرابلس في تيار "المستقبل" اجتماعا استثنائيا تطرق فيه إلى "الأحداث الأمنية المؤسفة التي حصلت مساء (أول من) أمس نتيجة اجتياح جهاز أمني لكرامة المدينة عبر توقيف أحد أبنائها، واتهم بيان صدر عن المجلس جهاز (الأمن العام) الذي أوقف المولوي بالتبعية لبعض القوى المحلية والإقليمية من دون أي رادع حتى من باب احترام مكاتب أحد وزراء هذه الحكومة التي قلنا وسنقولها مجددا إنها ليست سوى مؤسسة تابعة لقرار حزب شمولي (حزب الله) ينفذ أجندات ويحمي مصالح إقليمية من دون حسيب أو رقيب". ورأى أن "الظلم المتمادي اللاحق بالمدينة فجر بالأمس ثورة شعبية نتفهمها"، مضيفا: "إلا أننا في الوقت نفسه نطالب أهلنا وأبناء مدينتنا بالهدوء وضبط النفس وحماية أمن المدينة وسلمها الأهلي".
وطالب "رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووزراء المدينة أن يتقدموا باستقالاتهم فورا اعتراضا على ما حصل من انتهاك للحريات العامة والفردية، لما يشكله هذا الأمر من خرق واضح وفاضح للدستور اللبناني"، مناشدا "نواب المدينة تعليق حضورهم جلسات مجلس النواب ولجانه لحين البت في هذه القضية والإفراج عن المعتقل بأسرع وقت ممكن، ومن ثم إصدار مديرية الأمن العام اعتذارا واضحا وصريحا من طرابلس وأهلها للإساءة التي ارتكبوها في وضح النهار".
إلى ذلك، أكد الحزب "العربي الديمقراطي" (العلوي) على لسان رفعت علي عيد تأكيده أن حزبه "لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد" بالاشتباكات التي تحصل في طرابلس منذ أول من أمس على خلفية اعتقال الأمن العام اللبناني شادي المولوي. وسأل: "هل (مدير الأمن العام اللواء) عباس إبراهيم يأخذ الأوامر مني؟". وأضاف: "إن كل الكوادر القتالية في تيار (المستقبل) و(السلفيين) اجتمعوا في مطعم عيون السمك في عكار ووضعوا خطة كاملة لما يحصل الآن، نحن بالنسبة لنا قلنا لهم وفروا ذخيرتكم، ونحن نضطر للرد على النيران في أماكن معينة".  

السابق
الحياة : الحريري يرفض منطق الخروج عن الدولة واشهار السلاح
التالي
البلد : من المسؤول عن الافتعال المريب لاحداث طرابلس؟