بطل العالم..

يمكن للسياسة عند مسيو ميشال عون تمديد إجازتها القائمة منذ مدّة، والإمعان في الغياب طالما أن لا حاجة إليها.. غيابها يعوّضه حضور لافت لعبث صاف، يتبرّم صاحبه إن تمّت الدلالة إليه والإضاءة على متنه وحواشيه، والنبش في تفاصيله وتبعاته.
كثيرون (ضميرياً) يفترضون أنّ مسيو عون لم يشتغل في السياسة أصلاً. بل كان ولا يزال يعتمد أداءً آتياً من خليط جملة مكوّنات: بعضها ذاتي خالص يتّصل بطريقة تفكير تتمحور حول الأنا ولا تنطّ قفزة واحدة خارج ذلك الاطار. وبعضها مكتسب من مرحلة التربية العسكرية التي رغم نبلها وشرفها وريادتها، تجعل المتلقي، إذا كان محدود التفكير، مأسوراً بأفعال الأمر والنهي في كل نواحي حياته. وبعضها الآخر متأتٍ من طموح جامح يصل إلى درجة الخبل والهوس وينتج هلوسة تُسمَّى تمويهاً وتورية وتفنيصاً، آراء في الناس والأجناس والأوطان والرجال والأحكام والسلطة وما إلى ذلك من ضروب يشتمل عليها علم الهلوسة الفخم!

المهم، أنّه في النتيجة الأخيرة يؤدي الافتراق الفظيع بين الوهم والحقيقة، والمنطق والشعوذة أو الهلوسة، إلى شيء يشبه لعب المراهق المتطلب والناقم والمستعجل. وهذا اللعب في معظم الحالات يُسمَّى عبثاً: لا أفق له ولا غاية إلاّ توسيخ الذات وتهبيط الحيطان وتكسير الزجاج ولبط أي شيء تصل إليه القدم.. ثم الافتراض بعد ذلك، أنّ أحداً في هذه الدنيا لا يفهم على ذلك العابث ولا يستوعب تجليّاته وفرادته، فيتم حينها الانتقال إلى المرحلة الصوتية المرادفة في لغتها ومصطلحاتها لقصّة التهبيط والتكسير والتلبيط العشوائي!

… وفي العبث مراتب وأوزان. أعلاها وأثقلها وأخطرها عندما يتحكّم بصاحب سلطة أو قدرة على التأثير بالآخرين، وعلى تحديد مصائرهم في حدّها الأدنى المتّصل بيومياتهم وعيشهم واقتصادهم وأمزجتهم وفي حدّها الأقصى المتصل بحياتهم دفعة واحدة.
سبق أن شهدنا، في ذروة تواطؤ اليأس مع العدم في حياة اللبنانيين، وفي ذروة تراكم السواد والشحتار في أزمتهم ونكبتهم، في أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، ترجمة مُثلى لذلك النوع من العبث المدمّر والضنى الفتّاك: معارك لا أفق لها، حطّمت ما تبقّى من بنيان وأسس حياة واجتماع، وأطاحت ما تبقى من مقوّمات الدولة ومؤسّساتها.
.. اليوم، نشهد فصلاً جديداً من ذلك المسار المشؤوم، وإن كان من دون مدافع وحديد وبارود: معارك بالجملة والتقسيط في كل اتجاه. ونتائجها لن تكون مختلفة عن تلك التي سالت فيها الدماء وهدرت الأرواح وتحطّمت البُنى والمؤسسات. وأوّل العارفين بتلك النتائج هو ذاته بطل العالم في ألعاب العبث: جنرال العبث. ليس إلاّ.. يا حرام!

السابق
العبوة ضد موكب المراقبين: محاولة لاغتيال خطة أنان؟
التالي
يخلق من الشبه أربعين