خيار بين عمالتين

صُوّر وصول كل من نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي ومساعد وزيرة الخارجية الأميركي جيفري فيلتمان في وقت واحد إلى بيروت بأنه تنافس تخوضه الدولتان على الفوز بقلب لبنان، لا سيما أن لكل منهما درة فيه، فـ"14 آذار" جوهرة أميركا، و"حزب الله" دجاجة إيران التي تبيض ذهباً.

لا بأس أن نعتقد بذلك، ففيه قدر من الصحة والإنصاف، وهو إذا انطوى على قدر من المبالغة، فهي تصيب الجناح الـ "14 آذاري" من طائرة الورق اللبنانية، ذاك أن "14 آذار" ليست جوهرة على الإطلاق، في حين أن "حزب الله" يبيض ذهباً للجمهورية الإسلامية في إيران، على رغم أن الأخيرة تطعمه ذهباً أيضاً.

لكن في مقابل اهتزاز معادلة العائد الإقليمي والدولي لكلا الطرفين، "حزب الله" و "14 آذار" لمصلحة "حزب الله" بما يمثله من "فعالية" يمكن لملالي إيران أن يوظفوها، وهم لطالما فعلوا ذلك، في وقت ليس لدى "14 آذار" ما تهديه للحليف الدولي، هناك اهتزاز مواز في المعادلة يتمثل في أن لدى أميركا ما يكفي إلى أن نطمح إليه، ليس متوافراً لدى "الجمهورية الإسلامية".

وبما أن الخسارة واقعة، بعد أن اعترفنا بتفوق "حزب الله" في مجال الخدمات الإقليمية، فلا بأس من عرض بضاعة المنافسة بين الراعيين الدولي والإقليمي المتنافسين على الفوز بنا.

وقع الوفد الإيراني اتفاق تعاون في المجال التربوي مع الحكومة اللبنانية، مما يعني أن لبنان معني بما تقدمه إيران من خدمات "تربوية" للبنان، والحال أنه لو أننا فزنا بهذه الاتفاقات مع المنافس الأميركي لكانت الفائدة أكبر، هذا قبل أن نتساءل أنه ماذا لدى إيران لتقدمه لنا في المجال التربوي، إلا إذا كان المقصود إدخال مادة "ولاية الفقيه" الى مناهج التدريس في المدارس اللبنانية.

أما على صعيد المساعدات المالية والاقتصادية، فإن ما هو مسجل منها في سجلات الدولة اللبنانية وفي دفاترها وموازناتها، تبلغ حصة الولايات المتحدة منها أضعاف حصة إيران. والمعادلة طبعاً تختلف إذا أضفنا الى المساعدات الإيرانية تلك التي يُزود بها "حزب الله" من دون أن يدري أي من اللبنانيين حجمها وطبيعتها ووظيفتها.

وُضع لبنان في خطاب الممانعة بالتزامن مع زيارة الوفدين الأميركي والإيراني في سباق بين "عمالتين"، إيرانية وأميركية، وترافق خطاب الاختيار مع ميل للقول إن أميركا ليست في وارد تغيير في المعادلة الداخلية الراهنة، وراغبة في تجنيب لبنان تبعات الأزمة السورية. هذا ما قالته صحف الممانعة. وبهذا المعنى ليس لدى الإدارة الأميركية رغبة بمزيد من "العمالة"، لا بل مزيد من الانكفاء.

إيران لديها ما تقوله. لكن المقابل الذي ستدفعه لن يكون صرحاً تربوياً يفوق ذاك الذي أشادته أميركا في رأس بيروت قبل ما يقارب الـ150 سنة، والذي تخرج منه بعض من كتبوا مقالات يدعون فيها اللبنانيين الى الاكتفاء بالموديل الإيراني.

وهذه عنصرية أخرى يمارسها هؤلاء عبر محاولة حماية "تفوقهم على الجماهير". الجماهير التي لن تستقيم جماهيراً من دون أن يتخرج أمثال سماح إدريس من جامعة أميركية، فيما هي تتبحر في العلم الإيراني وقبله الناصري، وبينهما السوفياتي.

السابق
جدار كفركلا الفاصل: يؤمن الإستقرار في منطقة قابلة للإشتعال
التالي
الحليب يقلل الجوع بنسبة 9%