خدعة العيد

هو مثل أي عيد ديني او تاريخي، لكنه يفتقر الى الأصنام او الأساطير. مناسبة فولكلورية ترجع الى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، عندما كان تحديد رب العمل دقيقاً وتعريف العامل واضحاً.. وعندما كان الصراع بينهما يختزل حركة التاريخ ويسهم في إنتاج أيديولوجيات وأفكار عظيمة صار معظمها ذكريات.
ليس للاحتفال بالعيد اليوم رمز أو علم او حتى عبرة. مجرد عطلة مدفوعة الأجر، استحقها العمال، وتحوّلت الى فرصة للنكاية بأصحاب العمل. لم تعد تنفع في رسم الحدود بين الطبقات الاجتماعية ولا في توضيح العلاقة بينها.. مع أن الهوة اتسعت أكثر من أي وقت مضى منذ أن ثبت العيد، حيث زاد عدد الفقراء والجياع الى مستويات قياسية، وارتفع عدد الأثرياء وحجم الثروات إلى معدلات قياسية أيضاً.

منذ البدء كانت هناك خدعة. شعر العامل أنه حقق في العيد مكسباً، وأحسّ رب العمل أنه تفادى خسارة. استخدم العيد مادة المزايدة بين الدول على احترام حقوق العمال الذين اضطهدوا أكثر في الأنظمة التي قامت على أكتافهم او التي زعمت أنها تمثلهم. لم تكن دكتاتورية البروليتاريا أرحم من العبودية الغربية. وفي الحالتين لم يبق هناك عامل نموذجي يمكن أن يتحول الى قضية او الى حركة.
كيف يمكن تفسير مرور العالم الآن بأسوأ أزماته الاقتصادية والمالية من دون أن تتفجر ثورة عمالية كبرى، تضاهي الثورة البلشفية، وتدافع عن حقوق الملايين من البشر الذين انضمّوا في الأعوام الأربعة الماضية فقط الى لوائح الجوع والفقر والتشرد الطويلة، وتوقف انحدار النظام الاقتصادي العالمي من نظام الشركة والمؤسسة الى نظام المافيا والعصابة.

في العالم العربي اليوم ثورة سياسية كبرى لا أثر فيها لعامل، ولا وجود فيها لأي من رموز وصور تلك الحقبة المشرقة من التاريخ الانساني. كان للطلاب دور أكبر من العمال في تلك الثورة، ولا يزال. وكان لرجال الدين حضور أكبر من النقابيين، ولا يزال.. مع أن الثوار استهدفوا ذلك الحلف المقدس بين الطغاة ورجال الأعمال، وأسقطوهما معاً، من دون اللجوء الى أي برنامج او شعار او حتى هتاف شيوعي او اشتراكي.
في لبنان اليوم تحلل جديد للدولة والمجتمع، يُعيد الجميع مرة أخرى الى المكونات الأصلية للهوية، التي يمكن بسهولة لأي نقابة عمالية جدية أن تطوّرها وتكسبها مضموناً وطنياً يتقدّم على جميع العروض التي تقدمها الطوائف والمذاهب والاحزاب. المشكلة الوحيدة هي أنه لن يكون من السهل العثور على عامل بالمعنى الحرفي للكلمة، يشعر أنه اليوم في عيد أو في إجازة وفّرتها له نضالات أجيال متعاقبة من عمال العالم.. قبل أن يتفرقوا بهذا الشكل العجيب!

السابق
ضغوط للفلفة قضيّة الباخرة
التالي
هل تؤثر الأحداث السورية على انتخابات 2013؟