ضياع الشعب السوري

تحدثت قبل أشهر اكثر من مرة وقلت بأن الازمة السورية مختلفة عن الباقي لكن الناس لم تصدق. ليس ذلك فحسب، بل جاءني الشتم والتوبيخ مع أني لم أقل بأكثر من قراءة للواقع الشامي. ما قلته ان الازمة لن تنتهي بهذه السرعة، بل اغلب الظن ان الثورة لن تسير كما حصل في مصر او ليبيا.

في سوريا الامر مختلف تماما. الاجواء هنا فيها تداخل للمصالح وتعقيدات دولية كبيرة، اكبر من حجم نوابنا وليد الطبطبائي وهايف المطيري، بل اكبر حتى من مبارك الوعلان الذي ازعج السلطات السورية لدرجة أنهم يهددون بقتله!
ما علينا، المهم أن الوضع الشامي بأكمله على مفترق دولي خطير. فعلى الرغم من الرهان المصيري الذي تضعه اسرائيل وأميركا وحلفاؤهما هنا في المنطقة على حصان المعارضة، يضع في المقابل الصينيون والروس وحلفاؤهما ايضا هنا في المنطقة رهانهم المصيري وبالدرجة نفسها على فَرَس النظام السوري.

ليس في الأمر سر. فالدول الخليجية والغرب يريدون الانتقام والتخلص من كل خيط يمد الإيرانيين ببارقة أمل في التوسع والهيمنة، فهذه الحلقة الممتدة لغاية جوار اسرائيل منطقة شديدة الازعاج ومصدر قلق مزمن بالنظر للتصريحات والاقوال. وفي المقابل الايرانيون يرون بأن الخليج «السلفي» المهادن للغرب والموالي له يمثل خطرا حقيقيا يهدد وجوده وكيانه ويقف حجر عثرة امامه. والساحة السورية ليست الا فقرة من هذا النزاع الكبير. فما تسمعه من تصريحات كمقولة «الهلال الشيعي» أو تحرك الجيوش وبمظلة اميركية لقمع تحركات شعبية في البحرين او الفرقعة الاعلامية حول قصة محاولة اغتيال السفير السعودي، كلها تصب لصالح مخطط هذا الجانب. وفي مقابله تسمع تصريحات القادة العسكريين الايرانيين باغلاق هرمز وضرب المواقع الاميركية في المنطقة والمناورات بين الحين والآخر، وهي بالنهاية كلها رسائل وعمليات ضرب تحت الحزام.

لهذا سورية هي الساحة الثانية والباحة الخلفية للمعارك التي كانت وما زالت تجري في لبنان. ومن هنا أؤكد لكم بأن الشعب السوري هو المسكين الوحيد الذي يدفع ضريبة اثبات وجود غيره. فلا هو سيجني ثمار ثورته ان نجحت لأنها ستذهب الى من كان لهم الفضل واخص بالذكر قطر والمملكة وتركيا، ولا هو سيعيش مرتاح في ظل استمرار النظام الذي لن يعود يثق به.
ينبغي هنا ان نقول بأن المملكة السعودية وقطر وتركيا صاروا جميعا بين طرفي المكبس، فلا هم استطاعوا أن يعبروا بالثورة الى ساحل الامان، ولا الوقت الآن بات متاحاً للتراجع. فأغلب الظن الان ان النظام السوري اصبح اقرب لتجاوز مرحلة الازمة واظنه بدأ يمتصها ويتلاعب بالوقت وبالمجتمع الدولي، واظنه ينتظر بفارغ الصبر الساعة التي ينتهي فيها من تصفية حساباته مع الداخل ليتفرغ لحساباته الخارجية!
وبالنهاية، اكرر ما قلته سابقا بان الثورة السورية لن تنتهي سريعا، او بالأحرى هي لم تبدأ اصلا!

السابق
قانون الانتخابات
التالي
السلاح.. وبعلبك!