الحكومة مستمرّة بدعم الخارج

من المفارقات اللافتة في الحكومة التي خاضت جلسات مناقشة مدتها بجرعة دعم كانت افتقدتها في الاشهر الاخيرة نتيجة الخلافات بين اعضائها والعجز عن انجاز اي ملف اجتماعي او اقتصادي ان الحكومة مستمرة بقوة الامر الواقع الداخلي والدعم الخارجي في المرحلة الراهنة على رغم كل التحفظات التي سيقت من الخارج عن طريقة تأليفها كونها حكومة 8 اذار في الاساس. ففي عنوان الاستقرار الذي ترفعه يكمن جوهر هذا الاستمرار والذي لن تؤثر فيه كل المخالفات والثغر في ادائها على كل الصعد بشهادة رئيسها نجيب ميقاتي وعدد كبير من وزرائها ولا يؤثر فيه ايضا مدى الارتكابات لدى بعض وزرائها في ملفات عدة. وهذا الامر في حد ذاته يعد مفارقة لافتة بالنسبة الى افرقاء اساسيين في هذه الحكومة كانوا يأخذون على الحكومات السابقة حصولها على الدعم الخارجي وهم يوفرون العناصر اللازمة لدعم الحكومة من الخارج الدولي والاقليمي على حد سواء ويرشحها لان تبقى حتى موعد الانتخابات المقبلة. لذلك لا يمكن القول ان الحكومة مستمرة بدعم الداخل بل بالحد الادنى منه بمقدار ما تعول على دعم الخارج. هذه المفارقة تلعب ضد فريق 14 اذار بالذات لان احدا لا يدعم في هذه المرحلة احتمال الذهاب نحو حكومة جديدة حيادية او حكومة تكنوقراط تشرف على الانتخابات ما لم يطرأ ما يفرض هذا التغيير. وهذه المعطيات يدركها اركان هذا الفريق ولو انه يطالب بتغيير الحكومة فلم يذهب الى طرح الثقة بالحكومة التي لم يعطها الثقة في الاصل لئلا يقدم لها مكسبا مجانيا حصلت عليه في نهاية الامر بفعل خطوة غير منسقة.

اذ ان التحدي الابرز امام هذا الفريق برز في الانقسام الذي بدا عليه في ظل عدم تنسيق المواقف على نحو مسبق او حتى ربما في وجود نية مسبقة لدى حزب الكتائب من اجل التمايز عن قوى 14 اذار وعدم تجاوب الحزب مع المساعي والاتصالات التي اجريت معه من افرقاء كثر من اجل عدم طرح الثقة الذي لم يرغب به لا رئيس مجلس النواب ولا رئيس الحكومة وحتى افرقاء في الحكومة كالحزب الاشتراكي مثلا الذي يميز نفسه منذ بعض الوقت في مواقفه عن الحكومة ولم يكن مضطرا الى ان يمحضها الثقة مجددا. هذا المشهد لدى قوى 14 اذار يشكل تحديا لها وقد يكون من اسباب اهتزاز الثقة بها في الاشهر الماضية على المستوى الشعبي وسيكون كذلك ايضا متى بدت مفككة او عرضة للتفكك خلال المدة الفاصلة عن الانتخابات. كما ان هذا الواقع اخذ الواجهة من حكومة بدت مضطربة في ردود افرقائها وخدم بعض هؤلاء الطامعين بانتصار وهمي يدعم استمرارهم فيها على رغم ما يثار من علامات استفهام حول الحقائب الوزارية التي يشغلونها. كما اخذ الواجهة من حساسية عبرت عن نفسها في بداية الجلسات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول مجموعة ملفات تتصل بملف النفط والتعيينات في وقت يرفض رئيس الحكومة الخضوع للضغوط التي تمارس عليه في هذا الاطار وكذلك من حساسية عبرت عن نفسها على نحو اكبر بين الحزب الاشتركي والتيار العوني حيث لا "حيط عمار" يقوم بين الفريقين المشاركين في الحكومة علما ان اداء الفريق الوزاري العوني "يضرب على اعصاب" كل افرقاء الحكومة ويثير استياءهم. وفي الاطار نفسه حجبت توترا ايضا اظهره "حزب الله" يرجح مطلعون شعوره به على خلفية الازمة السورية التي يدرك طبيعتها وما تذهب اليه على رغم مواقفه العلنية وعلى خلفية المراوحة التي تعانيها الحكومة والتي تضعه على المحك كونه مسؤولا عن انجاح تجربته في الحكومة وسيطرته عليها من دون الفريق الاخر في حين ان الحكومة لم تظهر قدرتها على ادارة امور البلد.

لم يكن منتظرا من جلسات المناقشة ان تكون مختلفة عما جرى من حيث المبدأ لاعتبارات اساسية من بينها الاصطفاف الحاد القائم في لبنان بين فريقين سياسيين مع انطلاق معركة التحضير للانتخابات النيابية بعد سنة وعلى خلفية الاحداث في سوريا التي تترك اثارا واضحة على الاداء السياسي. فالجميع بدأ يعد العدة في محاولة تحسين الشروط واثارة حماسة الناس وتحضيرهم للمرحلة المقبلة. لكن هناك ايجابية لا يمكن اسقاطها تكمن في تخطي بري موقعه في فريق 8 اذار من اجل ان يدير الجلسة بهدوء وحزم فضلا عن اظهاره من خلال الدعوة الى الجلسة في الاصل وجود مؤسسة اساسية في البلد لا تزال جامعة للبنانيين لا تزال تعمل في حين ان لا صلة قائمة تجمع بين الفريقين الاساسيين في البلد. الا انه بدت سلبيات في المقابل لعل ابرزها اولا الخطاب"المتفلت" لشباب لدى مختلف الافرقاء الذي بدا قاصرا عن تقديم خطاب للمستقبل بعيدا عن مورثات الماضي فضلا عن تدني مستوى الخطب لدى البعض في التعابير والمقاربات على نحو مؤلم. ثم بدا الخطاب المذهبي والطائفي عالي المستوى في هذا الخطاب الشبابي لدى النواب بالذات الى الحد الذي يدفع كثر الى التخوف على المنسوب المرتفع لذلك وتأثيره على الشباب خارج المجلس.

السابق
الجميع ينتظرون واشنطن
التالي
تمويل الإرهاب