موسكو في قلب دمشق

الـ 3 في المئة، هي نسبة نجاح مهمّة كوفي أنان. إنها نسبة ملغومة او معدومة، في الحالة الأولى يريد أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة ان يسجّل مأخذاً قد يُصار الى معالجته بالتنسيق والتشاور مع الولايات المتحدة الأميركية، وبعض عرّابي هذه المهمّة من الدول الكبرى. في الحالة الثانيّة، ينعي الأمير سلفاً المهمّة، ومن موقع الواثق، وهذا يعني أن الحرب الأهليّة آتية لا محال، ولذلك دعا صراحة الى تسليح المعارضة. أن يطلق الشيخ حمد النار على مشروع أنان، ونقاطه الست، جهارا نهارا، فهذا يعني وجود أسباب ومبررات لا يمكن تجاهلها، وتستوجب المعالجة ضمن أوسع دائرة من التشاور مع المعنيين الإقليميّين والدوليّين، ذلك أن الأمير القطري لا زال رئيساً للجنة العربيّة الخاصة بسوريا، ومحور كل المبادرات التي صدرت عن الجامعة العربيّة أو عن الجهات الدوليّة لوقف العنف، وحقن الدماء، وتغليب لغة العقل والحوار على لغة التهوّر والانفعال، حتى النقاط الست خرجت من لَدن الجامعة عندما زار وزير خارجيّة روسيا سيرغي لافروف مقرّها في القاهرة، وتوجّه بعد الاجتماع الى نيويورك، ناقلاً هذه النقاط الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، قبل أن تتحوّل بعد طول درس وتنسيق الى خطة عمل كلّف كوفي انان بوضعها موضع التنفيذ.

من المآخذ المتداولة، انزعاج الخليجيّين، وتحديدا المملكة العربيّة السعوديّة ودولة قطر من الميوعة الدوليّة المعتمدة في التنفيذ، ومن المهادنة مع النظام، وأخذ ملاحظاته ومطالبه بعين الاعتبار، والتعاطي معه من موقع المنتصر، ومن حسابات تتصِل بالمستقبل أكثر ممّا تتصل بالتغيير المطلوب، والدليل أنّ انسحاب الجيش من جميع المدن والقرى والأرياف لم يتم، وما تمّ هو ما تحدّث عنه أنان شخصيّا عندما أبلغ مجلس الأمن بأن الجيش حقق انسحاباً من مواقع، لينتقل الى أخرى، يقيم فيها تحصينات، ويستعد لمواجهات جديدة. أما البند المتعلّق بوقف إطلاق النار، فلم يحترم بالكامل، وهناك دم يُسال، وقتلى وجرحى يسقطون، وبدلاً من العمل على فرضه فرضاً، يتبيّن أن هناك مهادنة، واتصالات تتمّ تحت الطاولة مع النظام، ويؤخذ بالكثير منها. إنّ هذه الاستنسابيّة، لا بل العشوائيّة في التطبيق تفرض سؤالا وجيها: أين الولايات المتحدة ممّا يجري؟ وهل هي راضية فعلاً عن الأسلوب المتّبع لوَضع النقاط الست موضع التنفيذ؟ وما هي حدود تفاهمها مع موسكو حول مهمّة أنان؟ وهل هو تفاهم في العمق، أم انه لا يزال سطحيّا، ويعالج الأمور أوّلاً بأوّل، وفق خطورة التطورات ومظاهر التداعيات؟

ما يبررّ هذا التساؤل هو أنّ الأصوات خفتت فجأة، ولم نعد نسمع الرئيس باراك اوباما يبشّرنا بسقوط وشيك لنظام الرئيس الأسد، ولا وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ولا حتى نظيرها الفرنسي آلان جوبيه، ولا صديقه التركي داود أوغلو، كانت هذه شعارات مرحلة، لا أحد يقول إنها قد انقضت الى غير رجعة، لكن جديد اليوم أن يصبح النظام جزءا من التسوية، وهذا ما يقلق الخليجيّين، إذ لا يصحّ بعد سقوط ما يزيد عن 12 ألف قتيل، أن يُصار الى تعويمه، والانطلاق معه بحوار ومفاوضات حول السُبل الواجب اتباعها لسحب جيشه من المدن، مقابل الضمانات المطلوبة من المعارضة. ويأتي البروتوكول الذي يحدد مهام المراقبين ليكشف التواطؤ الحاصل ما بين المجتمع الدولي والنظام، وبدلاً من تطبيق النقاط الست بحزم، يأتي التنفيذ عن طريق التراضي، فما يقبل به النظام ينفّذ فوراً، وما يرفضه يُحال الى الدرس والتشاور لإيجاد الحلول والمخارج المؤاتية له.

وبات واضحا انه، ومنذ زيارة وزير الخارجيّة وليد المعلّم الى روسيا، حصل تبدّل كبير، فالنظام لا يتكلّم، بل موسكو هي التي تفعل، وهي التي تتحدث عن جنسيات المراقبين وحياديتهم واستقلاليتهم، وهي التي تحدد شروط البروتوكول، ومهام المراقبين، وطريقة انتشارهم على الأرض، وكيفيّة العمل على تطبيق وقف النار بالتوازي والتساوي ما بين النظام والمعارضة في وقت واحد.

لقد أصبحت موسكو في قلب دمشق، وهي طرف أساسي في تحديد نسبة نجاح مهمّة أنان، وما إذا كانت فعلاً 3 في المئة أو 99،99 في المئة؟! إنها في قلب دمشق، وهي التي تحدّد ما إذا كان النظام شريكاً في التسوية، او ستكون من رصيده، وعلى حسابه؟ وهي التي يمكن ان تساعد على توفير ظروف نجاح وقف العنف، وحقن الدماء، وإحداث التغيير… أو على دفع الأمور نحو حرب أهليّة… فاللعبة في نهاية المطاف، لعبة مصالح؟!.

السابق
الداعوق: زيارة سليمان ستعطي دفعا كبيرا لتعزيز العلاقات مع استراليا
التالي
خطأ الكاميرا وعقوبة الغباء